The Wayback Machine - http://web.archive.org/web/20170706213400/http://www.mafhoum.com:80/press/sharq2.htm
 
 
WeatherCartoonReaders LettersArabic Text
 
 
 
 

 

 

قبة الصخرة ليست المسجد الأقصى وعمر بن الخطاب رفض الصلاة في اتجاهها

الصراع من أجل السيادة على الأماكن المقدسة في مدينة القدس الشرقية، أصبح يمثل العقبة الرئيسية في الوصول الى اتفاق نهائي للسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، إلا أن أهم سبب وراء فشل الطرفين في الوصول إلى اتفاق، هو أن كلا منهما يستخدم كلمات لها دلالة مختلفة عند الطرف الآخر. فهناك خلاف بين الطرفين حتى في تحديد أسماء المواقع، تردده وسائل الاعلام العربية والعالمية كل يوم دون فهم لدلالته الحقيقية. أحمد عثمان يتناول حائط المبكى وهيكل سليمان والحرم الشريف وقبة الصخرة والمسجد الأقصى كلا حسب دلالته التاريخية والمعاصرة كشفا للالتباس والغموض.


* الحرم الشريف هو الساحة التي تضم الأماكن المقدسة والصخرة كانت مذبحا لليبوسيين وصارت محراب الهيكل يعتقد البعض ان «جبل الهيكل» هو ذاته «الحرم الشريف» في مساحته وحدوده، بينما ان الهيكل لم تحط به اسوار وكان يحتل جزءا صغيرا من ساحة الحرم. والكثيرون يعتقدون ان قبة الصخرة والمسجد الاقصى شيء واحد، بينما هما مبنيان مختلفان منفصلان تماما في موقعهما وفي الغاية من بنائهما. وهناك من يظن أن الحرم الشريف هو ذاته المسجد الاقصى، بينما ان الحرم ليس سوى الساحة المسورة التي بني المسجد بداخلها الى جانب أبنية اخرى كثيرة. فالمسجد الاقصى الذي بناه الأمويون في الطرف الجنوبي لساحة الحرم، هو المكان المقدس عند المسلمين، وهو ثالث الحرمين الذي يؤدون فيه الصلاة. ولم يكن المسجد الاقصى ولا الأرض التي بني بها مقدسين عند اليهود في أي من الايام، ولهذا فليس لهم المطالبة بزيارته للعبادة. اما قبة الصخرة والتي كانت مذبحا لليبوسيين ثم كعبة لليهود، فلا يصلي عندها المسلمون وانما يكتفون بزيارتها.
وهناك رواية تقول بأن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) رفض الصلاة في مواجهة الصخرة، وردت في كتابات عدة مؤرخين اسلاميين من بينهم الطبري. تقول الرواية ان كعب الاحبار ـ اليهودي اليمني الذي تحول إلى الاسلام ـ صاحب عمر بن الخطاب عند زيارته للقدس، ولما حان وقت الصلاة بعد ان تمت ازاحة الانقاض من فوق الصخرة، نصح كعب الاحبار الخليفة عمر ان يقف شمال الصخرة عند ادائه للصلاة، بحيث تكون الصخرة امامه عندما يتجه الى القبلة في مكة. إلا أن عمر رفض هذه النصيحة، ووقف الى الجنوب من الصخرة عند صلاته مديرا ظهره لها. وعلى هذا فان المسلمين لا يؤدون صلواتهم عند قبة الصخرة، ويكتفون بزيارتها والتبرك بها. كانت الصخرة التي تقع تحت سطح الارض وسط ساحة الحرم، مذبحا لليبوسيين، السكان الاوائل لمدينة القدس قبل وصول اليهود اليها. ثم تحولت صخرة المذبح الى قدس الاقداس في معبد الهيكل الذي قيل ان الملك سليمان شيده حولها، ولم تصبح قبلة لليهود إلا منذ بناء معبدهم حولها في القرن الرابع قبل الميلاد. وعند التوصل الى اتفاق صلح نهائي بين الفلسطينيين والاسرائيليين، يصبح من الضروري ضمان حرية العبادة لجميع الاطراف. وبصرف النظر عن الاسباب التاريخية والسياسية، فان الصخرة الواقعة داخل غرفة خاصة تحت سطح الارض أسفل قبة الصخرة، يعتبرها اليهود كعبتهم وقدس الاقداس في عقيدتهم. وبينما جرت العادة على السماح للسياح الاجانب ـ بصرف النظر عن جنسيتهم او ديانتهم ـ بزيارة قبة الصخرة منذ العصور القديمة، فان موقع الصخرة الذي تحرم على غير الكاهن الاكبر زيارته، يمكن الوصول اليه من موقع حائط المبكى عن طريق ممرات موجودة تحت سطح الارض، دون حاجة لدخول الحرم.
حائط المبكى (البراق) تم اطلاق اسم «حائط المبكى» على الجزء المتبقي من سور الملك هيرودس في الجنوب الغربي للحرم، وكان هذا هو الجزء الوحيد الذي لم يتم تدميره عندما هدم الرومان المعبد عام 70. ولم يكن هذا الحائط مقدسا لليهود أثناء قيام معبدهم، إلا أنهم قدسوه لأنه الجزء الوحيد المتبقي من السور الذي بناه الملك هيرودس حول المعبد. فحتى عصر هيرودس ـ الذي حكم معظم أرض فلسطين ما بين 37 و4 قبل الميلاد ـ كان مبنى المعبد محصورا في منطقة قبة الصخرة. إلا ان هذا الملك أعاد بناء المعبد وأقام سورا كبيرا حول ساحة المعبد، وهي المنطقة التي تسمى الآن بالحرم الشريف والتي تتضمن الى جانب قبة الصخرة والمسجد الاقصى، منطقة اسطبلات سليمان القديمة والعديد من الحدائق. وأصبح اليهود المنتشرون في كل أنحاء العالم يتجهون ناحية معبد القدس ـ قبة الصخرة ـ في صلواتهم رغم دماره، وينتظرون اليوم الذي يأتي فيه مسيحهم ليعيد بناءه. إلا انه منذ 1518 عندما استولى السلطان سليم العثماني على القدس، اصبح الجزء المتبقي من سور هيرودس مزارا مقدسا لليهود، يبكون عنده حزنا على دمار المعبد. ويبلغ طول حائط المبكى 485 مترا وارتفاع 18 مترا، كان معظمه مختفيا بسبب أبنية ومنازل الحي المغربي المقامة هناك، ولم يظهر منه سوى جزء طوله 28 مترا ما بين بناية المحكمة في الشمال وباب المغاربة في الجنوب، كان امامها شارع لا يتجاوز عرضه ثلاثة امتار وثلث متر، يحدها غربا حي المغاربة. وفي عام 1967 قامت السلطات الاسرائيلية بهدم حي المغاربة وكشف بقية حائط المبكى، كما قامت بتوسعة الطريق الضيق امامه الذي اصبح الآن يمثل ساحة كبيرة جعلوها مركزا دينيا لليهود.
هيكل سليمان يذهب الرأي الشائع بناء على ما ورد في القصص التوراتية، الى ان الملك داوود قام بالاستيلاء على مدينة القدس اليبوسية عند بداية القرن العاشر قبل الميلاد، وجعلها عاصمة لمملكته. واحضر داوود تابوت الرب الذي حفظ به موسى عليه السلام الواح التوراة، ووضعه عند الصخرة، التي كانت مذبح اليبوسيين ومكان عبادتهم. ثم قام سليمان بن داوود ببناء الهيكل حول الصخرة والتابوت، فصارت الصخرة بمثابة قدس الاقداس او المحراب في معبد الهيكل. ويتضح من التفاصيل التي وردت في الاصحاح السادس من سفر الملوك الاول ان الهيكل كان على شكل مستطيل يتجه شرقا، ويتكون من ثلاثة اجزاء رئيسية هي البهو الامامي ـ وبه عمودان اسماهما «ياكين» و«بوعز» ـ ثم القاعة الرئيسية التي تضيئها نوافذ عند السقف، وفي المؤخرة يوجد قدس الاقداس على شكل غرفة مكعبة حول صخرة المذبح ليس بها نوافذ، ووضع التابوت في غرفة الصخرة بين أجنحة الكروبيم المرسومة فوقه.
ورغم عدم وجود أدلة أثرية تؤكد هذه الرواية التوراتية بخصوص بناء الهيكل، فهناك العديد من الدلائل التي تشير الى وجود معبد حول الهيكل منذ عصر اليبوسيين. إلا ان هذه الدلائل تبين ان معبد الهيكل بناه المصريون، وليس ملوك بني اسرائيل. فقد كانت للمصريين حامية عسكرية في المكان المعروف باسم اسطبل سليمان منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد، في الركن الجنوبي الشرقي لساحة الحرم، وكان المصريون يقيمون معابدهم بالقرب من حامياتهم في فلسطين وسورية. كما لا توجد ادلة على وقوع القدس تحت سيطرة ملوك بني اسرائيل في الوقت الذي عاش به داوود وسليمان، في بداية القرن العاشر قبل الميلاد، وليس هناك دليل يثبت علاقة اليهود بمدينة القدس، الا منذ القرن الرابع قبل الميلاد. فقد قام الملك نبوخذ نصر البابلي بغزو كنعان وتحطيم مدينة القدس اليبوسية ومعبدها عام 587 قبل الميلاد، فتحولت المدينة الى اطلال غير مأهولة بالسكان. واستمرت القدس مهدمة حوالي قرن ونصف القرن، حتى بعد سقوط الامبراطورية البابلية عام 536 قبل الميلاد على ايدي الفرس. وفي القرن الرابع قبل الميلاد قام نحميا اليهودي الذي كان يعمل في بلاد الامبراطور ارتكسيريكس الفارسي، بالحصول على تصريح لاعادة بناء قدس اليبوسيين، وجعلها مسكنا لليهود. ثم جاء الكاهن عزرا وأقام شعائر الديانة اليهودية في المعبد الذي تم بناؤه حول الصخرة. ومنذ ذلك الحين اصبحت الصخرة بمثابة كعبة اليهود وقبلتهم، حتى بعد تحطيم الرومان لمعبدهم عام 70 ميلادية.
الحرم الشريف عندما وصل المسلمون الى القدس (إليا) في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عام 635، كانت الساحة الشرقية للمدينة هي المنطقة الوحيدة الخالية من البناء، ليس بها سوى انقاض معبد جوبيتر الروماني التي هدمه المسيحيون. ولما كان الخليفة عمر قد وعد المسيحيين سكان المدينة، بعدم المساس بأملاكهم وأماكن عبادتهم، اصبحت هذه المنطقة الخالية هي الوحيدة امامهم فجعلوها مقرا لهم. وفي البداية بنى المسلمون مسجدا صغيرا ـ مسجد عمر ـ على شكل مربع استخدموا الخشب في بنائه، وكان هذا هو المسجد الوحيد الموجود في القدس أيام معاوية بن أبي سفيان، الذي صار حاكما لسورية وفلسطين بعد عامين من استسلام القدس، واستمر حكمه اربعين عاما بعد ذلك. الا ان هذا المسجد الذي لا يعرف موقعه بشكل محدد، اختفى تماما عند بداية القرن الثامن على اثر بناء المسجد الاقصى. فالحرم الشريف هو الساحة التي تضم المسجد الاقصى وقبة الصخرة، يقع في الجانب الشرقي لمدينة القدس الشرقية. وتتكون ساحة الحرم من ارض مسطحة تمت تسويتها في عهد هيرودس، الذي كان اول من قام ببناء اسوار حولها. واقام المسلمون اسوارهم لتحيط بساحة الحرم، على شكل رباعي شبه منحرف طول اضلاعه الشمالي 310 امتار والجنوبي 281 مترا والشرقي 462 مترا والغربي 491 مترا. ويمثل الحائط الشرقي للساحة الحافة الشرقية لمدينة القدس نفسها، كما يقع الجزء الشرقي من السور الجنوبي عند الحافة الجنوبية للمدينة. وهناك خمس عشرة بوابة لساحة الحرم، وان لم تعد جميعها مستخدمة في الوقت الحالي. ولم يطلق اسم الحرم الشريف على الساحة المسورة التي تضم كلا من قبة الصخرة والمسجد الاقصى، الا منذ العصر العثماني قبل حوالي خمسمائة سنة فقط بناء على التسمية الشعبية، فلم تستخدم المصادر الكتابية هذا الاسم قبل ذلك التاريخ. وهناك عدد كبير من المباني الصغيرة التي تم انشاؤها على مر الزمن داخل ساحة الحرم، مثل قبة المعراج وموقع البراق ومحاريب ومنابر ومزارات تحمل اسماء الانبياء ابراهيم ويوسف ويعقوب وعيسى عليهم السلام. كما أنشأ المماليك اوقافا يتم الانفاق منها على هذه المباني، تتضمن خانات واسواقا ووكالات تجارية وحمامات، جرى بناؤها شمال وغرب اسوار الحرم.
قبة الصخرة كانت قبة الصخرة هي اول بناء قام به المسلمون في مدينة القدس عام 691 في عهد الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان، الا ان هذا البناء لم يتم على شكل مسجد. اذ تم بناء قبة الصخرة فوق ارضية مرتفعة مثل المسطبة، تم تشييدها في وسط الحرم تقريبا فوق انقاض المعبد الروماني القديم، الذي شيد بدوره فوق انقاض معبد اليهود القديم. ويتم الصعود الى مسطبة قبة الصخرة، من ثمانية مواقع لدرجات السلم تم بناؤها. والبناء نفسه يتكون من شكل اسطواني ارتفاعه 30م و30 سم وقطره 20م و30 سم، وترتفع القبة فوق صخرة كبيرة في غرفة تحت سطح الارض مكشوفة من اعلى. وللبناء الاسطواني اربع بوابات مسقوفة، يحيط به من الخارج ممران على شكل ثماني الاضلاع طول كل ضلع عشرين مترا ونصف المتر. وفي الداخل بنيت الاعمدة والدعامات كما تمت تغطية الحوائط بالرخام واعمال الموزايك، وعليها بعض الكتابات والآيات القرآنية. وهناك من يعتقدون بأن النبي محمد عليه الصلاة والسلام، بدأ رحلة صعوده في المعراج الى السماء عند هذه الصخرة، وان اعتقد آخرون بأن بداية المعراج كانت عند حائط البراق.
لما مات معاوية، بايع الناس ابنه يزيد بالخلافة ورفض الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير اعطاء البيعة، وكان كلاهما في مكة المكرمة، وتخلص يزيد من الحسين عندما خرج الى الكوفة متحديا سلطة الخليفة الاموي الذي ارسل اليه جيشا ليقتل حفيد الرسول في كربلاء في عامه الثاني. ومع هذا فان الحجاز الذي تبع الزبير، رفض قبول خلافة يزيد، فأرسل الخليفة الاموي جيشا حاصر المدينة وفتحها بعد ان قتل عددا كبيرا من الصحابة، ثم استباحها لجنده ثلاثة ايام. وسار جيش يزيد لمحاصرة مكة ـ وكان عبد الله الزبير حاكمها ـ ومات يزيد اثناء حصارها، فتوقف القتال وانسحب الجيش بعد تدمير الكعبة بالاحجار والمحروقات. وتولى الخلافة بعد هذا عبد الملك بن مروان (685 ـ 705) وكان الزبير ما زال هو سيد مكة. وخشي الخليفة من أن سفر حجاج البلدان المفتوحة الى مكة في هذه الحالة، قد يجعلهم ينقلبون على حكم الامويين، فأقام قبة الصخرة فوق مسجد عمر وجعل الناس يزورونها ويطوفون حولها، الى ان قضى الحجاج بن يوسف الثقفي على عبد الله بن الزبير عام 693، فلم تعد هناك حاجة لمنع زيارة مكة، فعادت الامور الى طبيعتها.
المسجد الأقصى بدأ بناء المسجد الاقصى في عهد الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان، الذي اختار له موقعا الى الجنوب من قبة الصخرة ملاصقا للحائط الجنوبي لساحة الحرم. الا ان بناء المسجد لم يكتمل الا في عهد ابنه الوليد (705 ـ 715). وبينما اصبح المسجد الاقصى من أهم أماكن العبادة المقدسة عند المسلمين حيث يعتبر ثالث الحرمين الشريفين، فهو لا يعتبر مقدسا عند اليهود. فمن المؤكد ان أرض المسجد الاقصى لم تستخدم من قبل كمكان للعبادة عند اليهود، ولا توجد اسفلها اية ممرات أو بنايات قديمة للهيكل. وقد وصلت الينا تفاصيل مهمة عن بناء المسجد الاقصى، في كتابات المقدسي وناصر خسرو التي سجلاها خلال القرن العاشر، ثم في كتاب «الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل» لمجير الدين العلامي، الصادر في نهاية القرن الخامس عشر. من هذه الكتابات يتضح لنا ان المسجد الذي بناه الامويون، كان يتكون من قاعة كبيرة بها أعمدة، تنقسم الى عدة ممرات تمتد في شكل عمودي في اتجاه القبلة في الجنوب، بينما أقيم الممشى الرئيسي في وسط المسجد على نفس المحور الذي اقيمت عليه قبة الصخرة. وكان بناء المسجد الاقصى مفتوحا على ساحة الحرم في جانبيه الشمالي والشرقي. كما كان المصلون يدخلون المسجد عن طريق أنفاق تحت الارض، في الجنوب، حيث كانت مساكن المسلمين. وتم العثور على بقايا عديدة من القطع الخشبية المشغولة، تساقطت من البناء الاموي وتم حفظها في متحف فلسطين بالقدس الذي صار الآن يعرف باسم متحف روكفيلر، منذ وقع تحت السيطرة الاسرائيلية. وبعد حوالي قرن من بناء المسجد الاقصى، قام العباسيون بتعميره وتجديده على عدة مراحل ما بين 771 و844، في عهد الخلفاء المنصور والمهدي وعبد الله بن طاهر. إلا ان المسجد الاقصى تعرض لدمار شديد عام 1033، عندما وقع زلزال شديد ادى الى انهيار اجزاء كبيرة منه، فقام الخليفة المنتصر باعادة بنائه عام 1065.