The Wayback Machine - https://web.archive.org/web/20120119023114/http://arabic.rt.com/news_all_news/info_print/44038/

ARABIC.RT.COM

الثقافة والفن

18:00 16.03.2010آخر تحديث

الانشقاق الديني في روسيا وظهور اتباع الطريقة القديمة

نضجت في نهاية القرن 16 في روسيا فكرة اجراء اصلاحات في النظام الكنسي. بدأت هذه الاصلاحات مع بداية القرن 17 وبالذات في  الفترة بين 1619 – 1633 قام البطريرك فيلاريت بمحاولات لرفع اسم الكنيسة وسمعتها وجعلها اكثر استقلالا كما وسع ملكية الكنيسة والاديرة من الاراضي كما اسس مبنى البطريركية ومنح البطريرك سلطات قضائية على رجال الدين وفلاحي الاديرة. مع كل هذا بدأت الكنيسة في اربعينات القرن 17 تفقد استقلالها ورجال الدين يهتمون فقط بالحقوق السياسية والاقتصادية وتتقلص امتيازاتها وتمنع من شراء اراضي جديدة.

اصلاحات البطريرك نيكون

عمل نيكون الذي انتخب بطريركا لموسكو وسائر روسيا عام 1652 على تعزيز دور الكنيسة واعادة هيبتها بعد ان حصل على دعم كبير من طرف القيصر اليكسي ميخائيلوفيتش وباشر بالاصلاحات الكنسية التي حسب رأيه كانت ضرورية لتوحيد الطقوس ومحتوى الكتب الدينية لكافة الكنائس الارثوذكسية. ان طقوس الكنيسة اليونانية التي اعتمدتها روس القديمة عام 980 حصلت فيها تغيرات جوهرية كما حصل في كتب الخدمة الدينية بعكس الكنيسة الروسية التي حافظت عليها بشكلها الاولي. ان جوهر الاصلاحات الكنسية التي بدأها البطريرك نيكون عام 1653 كانت تهدف الى توحيد القواعد والطقوس الكنسية واكثر التعديلات تعرضت لها الكتب الدينية حيث امر باتلاف كافة الكتب السابقة. كما امر نيكون من المصلين ان يرسموا علامة الصليب بثلاثة اصابع كما يفعل اليونانيون بدلا من اصبعين كما منع مس الارض عند الخشوع واستبداله بانحناء كما امر ان يكون الدوار حول المذبح بعكس دوران الشمس.

معارضة الاصلاحات وظهور جماعة الطقوس القديمة

بدا وكأن التغيرات التي اقترحها نيكون لم تمس الاشخاص، ولكن يجب الاخذ بنظر الاعتبار انها لاكثرية المؤمنين في ذلك الوقت كانت تطابق طقوس المعتقد الارثوذكسي واي تغير فيها كان مرفوضا. ان الاصلاحات الكنسية رفضتها مجموعة من رجال الدين والعلمانيين وترأس المعارضة رئيس الاساقفة افاكوم. لقد كانت معارضة افاكوم وجماعته هي بداية ظاهرة الطقوس القديمة. ان جماعة الطقوس القديمة تعرضوا الى مضايقات شديدة وحتى الاعدامات. وفي عام 1667 بعد انتهاء المجمع الكنسي تقرر قطع اذان وانوف والسن وقطع ايادي اعضاء هذه الجماعة اضافة الى نفيهم وسجنهم. وبالرغم من ذلك لم يقبل الكثيرون بالتغيرات واستمروا بطقوسهم القديمة ولم ينصاعوا مثل كاهن دير سولوفيتسكي المشهور فلقد تمكن الرهبان ومن معهم من الصمود بوجه الحصارالذي فرضته قوات الحكومة لمدة 7 سنوات ولكن في نهاية المطاف استسلموا. وبسبب الاضطهاد الذي تعرض له اتباع الطقوس القديمة اضطر العديد منهم الى اللجوء الى الغابات والاماكن النائية ( في الشمال ومنطقة ماوراء الفولغا وجبال الاورال )

حيث اسسوا المناسك حيث ادوا الصلاة حسب الطقوس القديمة، واعتبروا نيكون واتباعه رسل الشيطان. وبالرغم من ذلك تمكن اتباع نيكون من الوصول الى بعض اماكنهم واعتدوا عليهم وصادروا ممتلكاتهم واجبروهم على نبذ الطقوس القديمة وكل من رفض تنفيذ ذلك تعرض الى تعذيب شديد والموت. ولكي يتهرب هؤلاء من التعذيب كانوا يحرقون نفسهم على شكل مجموعات كلما كانوا يشعرون بوصول ملاحقيهم.
لقد تم خلال فترة التفتيش في المنطقة الغربية اصدارحوالي 1000 قرار بالاعدام، فخلال مئة سنة الاولى من الاضطهاد احرق عشرات الالاف انفسهم احياءوماتوا جوعا كما عذب اخرون حتى الموت.
عاش اتباع الطقوس القديمة اكثر من 200 سنة تحت وطأة الاضطهاد والملاحقة لغاية اصلاحات القيصر بطرس الاكبر الذي اعلن فيها مبدأ التسامح الديني الذي مس بشكل اقل اتباع الطقوس القديمة. وبالرغم من السماح لاتباع الطقوس القديمة الاقامة في المدن مقابل دفعهم ضريبة مضاعفة كما ترتب عليهم دفع غرامة لاطلاق لحاهم ولكم تكن لديهم اي حقوق مدنية. وفي وقت الامبراطورة يكتيرينا الثانية خفت ملاحقة هؤلاء الا انه اشتدت في عهد نيقولاي الاول حتى ان الامبراطورة انا ايونوفنا جهزت ضدهم حملة عسكرية من اجل اعتقالهم والقضاء عليهم. انتهت مشاكلهم في بداية القرن 20 عندما استلم السلطة القيصر نيقولاي الثاني الذي اصدر بيانا حول التسامح الديني حيث سمح لهم اقامة الشعائر الدينية حسب طقوسهم والقيام بطواف الصليب ودق النواقيس وتنظيم الجمعيات وبناء الكنائس. منذ عام 1905 ولغاية 1917 شيد هؤلاء حوالي 1000 كنيسة بالرغم من انهم لم يحصلوا على حريتهم الدينية كاملة حيث منعوا من نشر طقوسهم والعمل في المدارس العامة واعتلاء مناصب ادارية مهمة.
خلال العهد السوفيتي منع اتباع الطقوس القديمة وكذلك اتباع الكنيسة الارثوذكسية الروسية من اي نشاط حيث صودرت الكنائس والكاتدرائيات واعدم وسجن رجال الدين. وظهرت النزاعات في المجتمع الروسي ولكن بالرغم من ذلك ظهر من بين اتباع الطقوس القديمة اشخاص مشهورين امثال سافا موروزوف وراقص الباليه قسطنطين سيرغييف والناشط السياسي الكسندر غوتشكوف والمصرفي بافل ريابوشينسكي وغيرهم.

الطقوس القديمة في المرحلة الحالية

يتمتع اتباع الطقوس القديمة في روسيا حاليا بكامل حريتهم كاعضاء في المجتمع الروسي. ويحاول اتباع هذه الطقوس عزل نفسهم عن " اغراءات الدنيا " ويبتعدون عن الاعياد والصخب ولايستخدمون ماتوصل اليه العلم من التكنولوجيا والتقنيات الحديثة الا الضروري منها ( كثيرون منهم لا يشاهدون التلفزيون ولايستخدمون اجهزة الهاتف والكمبيوتر ) لانهم يعتبرونها تعمل على ابعاد الانسان عن الايمان ويقربونه من الحياة الدنيا على الارض.
ان اكبر تجمع لاتباع الطقوس القديمة في روسيا وخارجها يبلغ حوالي مليون شخص واهم مراكزها في موسكو وبرايل برومانيا. كما ان هناك الكنيسة الارثوذكسية القديمة التي لها في روسيا اكثر من 200 جمعية. ويبلغ عدد اتباع الطقوس القديمة في روسيا حسب تقديرات مقربة اكثر من 2 مليون شخص. كما يعيش اتباع هذه الطريقة في مناطق ماوراء القوقاز وملدوفا ورومانيا واوكرانيا وبلاروس ودول البلطيق واسيا الوسطى وامريكا الشمالية والجنوبية واوروبا الشرقية.
في عام 1971 انعقد المجمع الكنسي الخاص للكنيسة الارثوذكسية الروسية الذي اعتبر قرارات مجمع موسكو الكنسي المنعقد عام 1667 الذي قنن الانشقاق بانها غير شرعية. ان لعنة الكنيسة على اتباع الطقوس القديمة التي قررها المجمع المذكور اعتبرت ملغية وليس لها اي مفعول وان اتباع الطرق القديمة هم متساوون في الحقوق بالكنيسة الارثوذكسية الروسية. ومع كل هذا لم يتوحد اتباع الطريقة القديمة مع الكنيسة الارثوذكسية الروسية واكثر من هذا انه في مجمع الكنيسة الروسية الارثوذكسية القديمة المنعقد عام 2008 ارافعت اصوات تعارض الاتصال ببطريركية موسكو وسائر روسيا للكنيسة الارثوذكسية وكذلك مع المجتمع بشكل عام.