The Wayback Machine - https://web.archive.org/web/20131202231902/http://www.iraqipa.net/11_09/1-10/a16_9nov09.htm
 

عصر النهضة

وتأثيراته السياسية والفنية

 

المركز العربي / الألماني

 

د. ضرغام الدباغ

 

 

المركز العربي / الألماني

د. ضرغام الدباغ

 

عصر النهضة Renaissance موضوع عميق الأبعاد، واسع التأثيرات لذلك فهو يستحق منا كل اهتمام، ومن الخطأ الاعتقاد أن تأثيرات عصر النهضة تنحصر في الجوانب الفنية فحسب،  فعلى الأغلب، فذلك يعتمد بأي عين ننظر إلى عصر النهضة الرحيب الفسيح والواسع الأرجاء والميادين، وإذا شئنا النظر بعين شاكلة ذلك يتطلب منا مرونة في التنقل، وتقبل فكرة التأثيرات المتبادلة وهي شأن يتكرر في التاريخ.

 

وهذا البحث هو جزء من مؤلفنا مايكل أنجلو وعصر النهضة، ويتألف من قسمين:

 

الأول: شرح لعصر النهضة وتأثيراته ذات الأبعاد المختلفة، لماذا كان عصر النهضة، الحتميات التاريخية التي أدت إلى ولادته العسيرة..!

الثاني: بحث باللغة الألمانية قمنا بترجمته بتصرف، للبروفسور ديتر شمت، Dieter Schmidt  وهو أستاذ ألماني بارز، أجد كل الفائدة في أن تتضمنها المحاضرة، على أنني سأشير على نحو كاف إلى القسمين.

 

ستكون هناك بعض من صعوبة لمن ليس متتبعاً لعصر النهضة وآثاره السياسية والفنية، لمعرفة شخصياته ورموزه، وتلك اهتدينا لحلها بملحق الهوامش في ختامة البحث.

 

بوسع القراء أن يطلبوا الكتاب بأكمله مني شخصياً

لا حدود للتعاون في مجال العلم والثقافة

 

 

 

د. ضرغام عبد الله الدباغ

 

drdurgham@yahoo.de

 

 

أولا : عصر النهضة / د. ضرغام عبد الله الدباغ

 

عندما وقع كتاب الأستاذ الألماني شمت بين يدي، لم أكن أتصور إنني سأقدم على ترجمته إلى اللغة العربية لصعوبة مصطلحاته والدقة العلمية التي يتسم بها، والذي يجعل من الترجمة عملاً ينبغي أن يتسم بالمسؤولية المضاعفة، لكنني سرعان ما وجدت أن من المؤسف أن لا يطلع فنانونا وأدباؤنا ومثقفونا بصفة عامة وطلبة أكاديميات الفنون.

 

وإذ يعرض هذا العمل بدرجة كافية من الوضوح، المدرسة الفنية التي كان مايكل أنجلو بوناروتي Michelangelo Bunarroti، (ولد عام 6 / 3 / 1475 وتوفي 18 / 2 / 1562)، من أبرز رموزها، ثم يقدم من جهة أخرى مطالعة ممتعة لأهم 48 تخطيطاً أو دراسة أو مشاريع لأعمال فنية وجدت سبيلها فيما بعد إلى التحقيق، أو ربما أهملت لهذا السبب أو ذاك، ولكنها على أية حال تعد مهمة للغاية، وكانت وما زالت موضع اهتمام الفنانين والنقاد في اشهر المعاهد الفنية في أوربا والعالم. وفي هذه التخطيطات بوسع المرء أن يتابع الأسس الفنية في أوربا والعالم. كما يطلع على الأسس الفنية التي أعتمد عليها هذا الفنان الكبير، فالعديد من تلك اللوحات(التخطيطات) تحمل، ولتلك أهميتها أيضاً،  ملاحظات بخط يده. وتلك مسألة ذات جانب إنساني جميل.

 

والكتاب برمته مؤلف من ثلاث مقاطع:

الأول  : نص مهم بقلم ديتر شمت وهو أخصائي (أكاديمي ألماني) فنون تشكيلية.

الثاني : 48 تخطيطاً أو مشروع دراسي.

الثالث:  تعريف باللوحات.

 

ثم إننا ارتأينا تعميماً للفائدة أن نمهد لكتاب الأستاذ ديتر شمت بعرض سريع عن عصر النهضة، لمن فاته الإطلاع على المقدمات التاريخية لعصر النهضة، الذي كان فاتحة عصر الأنوار في أوربا، ومنه صار الانطلاق تحقيق المنجزات على كافة الأصعدة.

 

*              *                 *                  *

 

يعني عصر النهضة Renaissance، حرفياً الولادة الثانية(البعث) ويندرج تحت هذا المصطلح، موضوعات كثيرة في تاريخ الفن والثقافة. ويعتبر العديد من المؤرخين، أنه كان بداية للعصر الجديد، وقد ابتدأ في شبه جزيرة أبنينو( لم يكن اسم إيطاليا ككيان سياسي قد برز بعد)، نهاية القرن 16، ومن ثم أنتشر في بلدان أوربية أخرى: حيث أعيد اكتشاف جديد للفن ووظائفه والثقافة الكلاسيكية والقديمة Antique – Classic . وكانت فلورنسا المسرح الأساسي للنهضة وفعالياتها وسراجه المنير، حيث أعيد اكتشاف وتطوير الأعمدة وقوانين رسم الجسد وكذلك الاكتشافات الطبيعية. وعلى صعيد الرسم والنحت، كان ليوناردو دافنشي (1452ـ 1512 )، ورفائيل (1483 ـ 1520 )، بالإضافة إلى مايكل أنجلو، من أهم رموز النهضة، فيما كان نيقولا ميكافيلي (1469 ـ 1527 ) أحد أبرز الرموز الثقافية / الفكرية لها، كما كان غاليلو غاليلي إلى جانب كوبرنيكوس من أبرز علماء الفلك وغيرهم.

 

فعصر النهضة إذن كان متعدد الصفحات والاتجاهات، سواء على صعيد الهندسة المعمارية، أو علم وظائف الجسد أو الاكتشافات الطبيعية: الفلكية والجغرافية بالإضافة إلى فن الرسم والنحت الذي برز بصفة خاصة ليس من حيث تطور الموضوعات التي تعاملت معها كبواعث Motivation، بل وأيضا تلك اللمسة الإنسانية التي ظهرت في الأشكال الفنية الجامدة. لقد كانت أشكال الكلاسيك جميلة، لكن لا حياة فيها، كما كانت عمارة الغوتيك Gotik التي تفتقر إلى الحيوية الإنسانية التي سادت بعد عام 1140 حتى عصر النهضة.

 

والتطور الجديد حصل أساساً بفعل العلاقة الجدلية بين العلوم كافة. فعصر النهضة كان بهذا المعنى، الحدث الحاسم الذي حطم أقفال بوابات كانت مغلقة، بل أن بعضها كان محكم الإغلاق، وجعل التطلع واستشراف الغد والمستقبل ممكناً.

 

تطرح هذه اللقطات أسئلة مهمة:

* كيف وصلنا إلى عصر النهضة، بل بالأحرى، كيف كان بالإمكان تخطي المصاعب والعوائق... ؟

* لماذا لم يبدأ عصر النهضة قبل ذلك التاريخ ... ؟

* ما هي القوى التي كانت معرقلة لمسيرة النهضة ؟ وكيف اندحرت في معركة التقدم ... ؟

 

من الواضح أننا سوف لن نستطيع فهم هذه المراحل المهمة من تاريخ أوربا السياسي والثقافي، بل وتأثيرها الكبير على مسيرة الحضارة العالمية، ما لم نستعرض بصورة عاجلة أهم المعطيات التي وفرت الأسس والمقدمات الضرورية للانتقال إلى عصر النهضة.

 

من المعلوم أن المسيحية التي انتشرت في أوربا، لم تصبح ديانة رسمية لأي من الكيانات السياسية إلا في العام 325، عندما اتخذتها الدولة الرومانية ديانة رسمية لها، وبذلك تسارعت عملية انتشارها في أوربا، ثم بدأت تدخل في التوازنات السياسية والاجتماعية وأحرزت تقدماً مهماً في هذا المجال عندما استطاعت الكنيسة بعد أن تحولت إلى عنصر فاعل في الحياة الاجتماعية وإلى بيضة القبان إذا جاز التشبيه في الائتلافات الاجتماعية والطبقية التي تهيمن على السلطة السياسية والدولة: الملك والحاشية / وأمراء ونبلاء الإقطاع.

 

إذن فالائتلاف الجديد بات يضم الكنيسة إلى جانب الملك والإقطاع، بل كانت العنصر الأهم في هذا الائتلاف، وليس نادراً ما اضطلعت بقيادته فعلاً. والسلطة التي كانت بحوزة الكنيسة ومنها انطلقت لممارسة نفوذاً سيادياً ناجحاً كانت التجسيد العملي والواقعي لنظرية السيفين، توزيع السلطتين: الدينية بيد الكنيسة، والدنيوية بيد الملك. ولكن الحدود بين هاتين السلطتين كانت غائمة يلفها ضباب المصالح وصراعات النفوذ.

 

منحت هذه المعطيات بالإضافة إلى الاحتكار الثقافي الذي مارسته الكنيسة بوصفها الجهة الوحيدة المؤهلة لتفسير اللاهوت وتأويله، الأمر الذي منح الكنيسة المزيد من النفوذ في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أيضا، ولكن الثقافية قبل كل شيء.

 

وتوج هذا النفوذ عام 756 عندما منحت الكنيسة الكاثوليكية ورأسها القيادي كياناً سياسياً متمثلاً بالفاتيكان، مما أتاح الفرصة لممارسة المزيد من التأثير السياسي ليس على صعيد شبه جزيرة أبنينو، بل وعموم أوربا والعالم المسيحي بأسره. وكان النفوذ السياسي متلازماً مع نفوذ اقتصادي مهم أحرزته الكنيسة في كافة المجتمعات عندما تحولت إلى المالك الأعظم لأفضل الأراضي الزراعية، بل ومارست حتى القنانة أو شبه القنانة حيثما كان ذلك ممكناً في المجتمعات التي كانت لما تزل بعد تسود فيها أنماط أنتاج زراعي متخلفة. فالنفوذ السياسي الذي كانت تتمتع به الكنيسة لم يكن ناجماً عن كونها ممثلة للسلطة الدينية فحسب، بل وبسبب من قوتها الاقتصادية كذلك.

 

هذا عن النفوذ السياسي / الاقتصادي / الاجتماعي، ولكن ماذا عن النفوذ الثقافي الذي كانت الكنيسة تتمتع به...؟

 

الواقع أن الكنيسة مارست ديكتاتورية ثقافية قاسية لا مثيل لها في التاريخ، مستمدة قوتها للأسباب التالية:

·   الأول : مثلت الكنيسة، والمؤسسة الدينية بصفة عامة خزانة المعرفة، وتولى الكهنة ورجال الدين مسؤولية الإجابة على الأسئلة الكثيرة التي لم تكن لها إجابات مادية بسبب التخلف العلمي والفقر المعرفي المريع. وبذلك مارست احتكارها للمعرفة الغيبية والديكتاتورية الثقافية، بتصديها ولقمعها لأي اتجاه يخالف آراءها.

·   ثانياً : بحكم كونها عضواً أساسيا في قيادة التحالف والائتلاف السياسي / الاجتماعي الحاكم إلى جانب الملك وأمراء الإقطاع، ليس نادراً ما كانت الكنيسة تقبع كما قلنا على رأس هذا الائتلاف في المركز القيادي الأول، تاركة الملك والحاشية في المركز الثاني، وأمراء الإقطاع في المركز الثالث. وقد استمر هذا الموقف سائداً في إطار صراع خفي وعلني بين الكنيسة والملك، طرفي نزاع تمثل الكنيسة فيه السلطة الدينية، والملك للسلطة الدنيوية،  وكان نفوذ الكنيسة قوياً يحرج مركز ونفوذ الملك وحاشية البلاط.

·   ثالثاً: استثمرت الكنيسة نفوذها السياسي / الاقتصادي في فرض اتجاهات ثقافية لا تبتعد عن توجهات اللاهوت، تهدف في نتيجتها إلى إدامة هيمنتها السياسية / الثقافية من خلال فرض احتكار تفسير اللاهوت وتأويله، بل وحاولت في مراحل لاحقة للتلاؤم والتكيف مع التطور المعرفي الذي كانت تحرزه البشرية، والذي كان يجد سبيله للانتقال بين حضارات الشعوب، وإن بوسائل بدائية.

 

ومع أن الفلسفة والقانون كانا يتمتعان بمواقع متقدمة، حتى قبل حلول المسيحية في أوربا، إلا أن انضمام الفلاسفة بأعداد متزايدة إلى الدين المسيحي، أكسب الكنيسة واللاهوت قوة مضافة أطبقت من خلالها بقبضتها على الحياة الثقافية وهيمنتها التامة على تعبيراتها.

 

بيد أن هذا النفوذ السياسي والثقافي بدأ بالتقلص منذ أواسط ونهاية القرن الثاني عشر بفعل عناصر وعوامل عديدة، كان أبرزها :

1 . التطور الفكري / الفلسفي الأوربي في تيارات أخذت تبتعد تدريجياً عن مواقف اللاهوت، بل وتصطدم معها.

2 . تعامل الثقافة الأوربية مع الثقافة العربية في الأندلس. وكانت عناصر التنوير المسيحية على تماس مع معطيات الحضارة والثقافة العربية في الأندلس وشمال أفريقيا. وفي هذا المجال مثل العالم والفيلسوف أبن رشد وأعماله الفلسفية عنصراً هاماً في بلورة الثقافة الأوربية.

3 . الحروب الصليبية التي أتاحت للبلدان الأوربية المسيحية فرصة التماس وبشكل كثيف ومتواصل مع الحضارة العربية الإسلامية.

4. تبلورات جديدة في الوضع السياسي بين الدول، الأمر الذي حتم وجود دول وحكومات قوية تستطيع استغلال موارد البلاد وزجها في صراعاتها مع الدول الأخرى. وإن أي قوة في سلطة الدولة كان حتماً على حساب قوة ونفوذ الكنيسة.

5 . التطورات الاقتصادية / الاجتماعية، وقد تمثلت بعنف الصراعات على الهيمنة والنفوذ بين الائتلاف السياسي الحاكم. وكان كل طرف يهدف إلى الاستيلاء على اكبر قدر من المزايا والمكاسب والقدرات الاقتصادية في سباق لزيادة تكديس الثروات وجني الأرباح، فلما لم يعد هناك ما يستولون عليه، كان لا بد أن يستولي أي طرف على ما بحوزة الأطراف الأخرى، ولو باستخدام القوة المسلحة.

 

كانت هذه المعطيات تبلور باستمرار وتفرز مواقف اجتماعية / سياسية جديدة، وبدا أن التيارات الفكرية الناشطة قد بدأت تعرَض السيادة الفكرية والثقافية للكنيسة إلى الاهتزاز، وإلى إلحاق الضعف بالموقف الثقافي للكنيسة وقوة اتجاهاتها الفكرية Argumantation(الأدلة والحجج)، لذلك انبثق تيار فكري / فلسفي من بين مفكري اللاهوت يحاول التوفيق بين الدين والفلسفة واتجاهاتها الحديثة، في محاولة للبقاء اللاهوت والفكر الديني مقبولاً ومسايراً للتطور. وكان من ابرز هذا التيار، رجل الدين توما الأكويني.

 

وتوما الأكويني (1225 ـ 1274 ) حاول بما لا يخلو من كفاءة، أن يطور اللاهوت، بل بالأحرى أن يطرح خطاً فلسفياً يقارب فيه بين الدين والفلسفة. وكان المفكر البرتو الكبير (1206 ـ 1280 ) أول من دعا إلى تعامل اللاهوت مع الفلسفة، وبذلك يعد البرتو الكبير بحق المؤسس الأول للسكولاستية Scholastisim، ولكن لا بد من الإقرار أن تلميذه الأكويني أستطاع أن يمنح هذه الأفكار دفعة مهمة، وربما مرونة أكثر، وسار من بعده آخرون على خطاهما، وإن بقدرة أقل.

 

وكان الأكويني واعياً بعمق للضرورة الماسة لتجميل صورة الكنيسة واللاهوت ودورهما في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية، وأن يخفف من غلواء الرجعية داخل الكنيسة كمؤسسة. ومن ابرز الحقائق الجديدة التي طرحها الأكويني :

 

أن بالإمكان التوصل إلى معرفة الحقائق ليس فقط عن طريق اللاهوت، بل وأيضاً بواسطة الدراسة والبحث ومراجعة المصادر الموثوقة. وكانت هذه الأطروحة بحد ذاتها تمثل في تلك العصور قدراً كبيراً من الأهمية وبنفس الوقت نافذة مشرعة على المستقبل.

 

ومن هذه النافذة بالذات تسللت نسائم أفكار حرة وآمال تتطلع إلى المستقبل، ومسيرة انطلقت لتعبر قروناً من الآلام والنضال الشاق ضد الظلام وقوى الرجعية، مسيرة ضمت كتاباً وفلاسفة وأدباء وشعراء ومهندسين وفلكيين وجغرافيين وفنانين أيضاً، في جهود متظافرة متكاملة كل يستخدم سلاحه الخاص به سواء كان ذلك السلاح قلماً أو ورقة، كتاباً، معولاً، أو أزميلاً، أو بوصلة أو تلسكوباً يضربون بها على صخور التخلف ويقدمون التضحيات، فقد أعدم جيوردانو برونو حرقاً (1548 - 1600 ) وقطع رأس توماس مور بالفأس (1478 –1535) وكاد غاليلو غاليلو (1564-1642) وكمبانيلا أن يفقدا حياتهما، فيما فر الكثيرون إلى المنافي والمهاجر، وأحرقت كتب، ومنع آخرون من الكتابة وغيب غيرهم في السجون، فمسيرة النور كانت ذات تكاليف باهضة وخسائر كبيرة، ولكن المسيرة بلغت أهدافها وعانقت الأنوار، وكان عصر النهضة فاتحة ذلك وابتداؤه.

 

فعصر النهضة إذن هو نتيجة لإخفاقات ونجاحات، أخفاقات تمثلت في فشل الكنيسة واللاهوت تبرير الظواهر، كما لم يكن بوسعها استيعاب التطورات والآمال والطموحات، فكانت أبعاد رؤيتها محدودة. فيما كانت الآمال لا حدود لها، أما النجاحات فقد تمثلت بقدرة العلم والأدب والفن على استشراف الكون، بل والمستقبل أيضاً ألم يرسم دافنشي وجول فيرن الطائرة والغواصة والدبابة وغيرها قبل عدة قرون من صناعتها ؟

 

فالقوى المعادية للنهضة والتقدم لم تسلم إذن بهزيمتها دفعة واحدة وبسهولة، بل كان ذلك تراجعاً تدريجياً أستمر لقرون، أبدت خلاله القوى الرجعية المتمثلة بالكنيسة ونبلاء الإقطاع والملكيات الرجعية المطلقة مقاومة ضارية عنيدة، عبر محاور الأدب والعلم والفلسفة والفنون، ولكن الانفجار الأكبر والأهم هو ما حدث داخل الكنيسة نفسها، وقد تمثل ذلك بحركة الإصلاح الديني (اللوثرية) وكان ذلك يعني قبل كل شيء :

1 . أن الكنيسة لم تعد تحتمل الضجة خارج أسوارها، فبدأت صفوفها الداخلية بالاستجابة للضغوط.

2 . إن الحتمية التاريخية بالتطور أقنعت العديد من القيادات الكهنوتية (الكهنوتية : هي المراتبية في الخدمة الكنسية)، الشابة منها بصفة خاصة، بضرورة أحداث التغير.

 

ومن ثم، فالحركة من داخل الكنيسة هي في الواقع أصداء وإصغاء للمطالبة بالتغير والتطوير وإشارة إلى أن التناقض قد بلغ في تفاعله الاجتماعي والثقافي أقصى حدوده، وإنه ينذر بانفجار يصعب السيطرة عليه على آثاره المباشرة وغير المباشرة، وأن الموقف قد تجاوز ما يمكن حله أو معالجته بوصفات توفيقية على غرار حركات كالسكولاستية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان التطور الاجتماعي قد بلغ درجة من اشتداد في عملية التراكم Akkumalation، الصعيد المحلي حيث لم تعد هيمنة الكنيسة الاقتصادية مقبولة، كما أن تعسف الإقطاع المتحالف بقوة مع الكنيسة كان ينذر باندلاع ثورات فلاحية.

 

كان كل ذلك كان يدعو المؤسسة الدينية بصورة جدية إلى إعادة ترتيب الهيئة القيادية، سياسياً واقتصادياً. وإذا كانت مستلزمات الحركة من داخل الكنيسة لا تنطوي على محتوى كهذا وبهذه الدقة، إلا أن التمرد على المركز البابوي، كان بداية قوية لتراجع نفوذ الكنيسة ليس سياسياً واقتصادياً فحسب، بل وثقافياً قبل كل شيء.

 

فعلى الصعيد الثقافي / الفني على وجه الخصوص، فإن عملية اشتداد الوعي لم تعد تقبل بأشكال واتجاهات ساذجة، فقد بدت تلك الرؤى بائسة حيال قيمة عالية لإنسان النهضة الذي جاب أعالي البحار والمحيطات مكتشفاً ومؤكداً كروية الأرض وسبر غور السماوات والأفلاك، هذا الإنسان الذي أكد في المقام الأول إنسانيته، وعلو همته وسعة قدراته، فلم تعد تلك الأعمال الباهتة والخالية من الحيوية الإنسانية والتدفق الإنساني كافية للتعبير عن القيم الإنسانية العليا، بل بالأحرى عن تطلعه، أي عالم يرى، وأي مستقبل يريد !

 

والانفجار المدوي ضمن الكنيسة، تمثل هذه المرة ليس باتجاه توفيقي Compromise  ضمن الكنيسة، بل في حركة سيكون لها أبعادها الفكرية المهمة وستكون لها انعكاساتها السياسية والاجتماعية، فهم أطلقوا على أنفسهم " حركة الإصلاح الديني " Reformation " وأطلق عليهم آخرون "بروتستانت" Protestant، أي المحتجون، (مصدرها الاحتجاج)، Protestanion باعتبار أن قائد الحركة الإصلاحية أعلن في بيانه الشهير: الاحتجاج على قرار طرده من الكنيسة الكاثوليكية، وكان ذلك في مطلع القرن السادس عشر 1517، وقد سميت الحركة أيضا بالحركة اللوثرية، مستخدمة هذه التسمية من قائد الحركة، رجل الدين الألماني "مارتن لوثر Martin Luther 1483 ـ 1546 ".

 

كان جوهر الحركة اللوثرية يقلص من دور الكهنة في التوسط بين المسيحي والله، وسخر بشدة من الكثير من البدع والخرافات، التي ألحقت التدهور والانحطاط بدور الفاتيكان والكنيسة الكاثوليكية. كانت الحركة اللوثرية البروتستانتية تياراً ليبرالياً في جوهره، معادياً للمؤسسة الدينية الرجعية وديكتاتورتها.

 

أكدت هذه الحقائق في محصلتها النهائية، أهمية الإنسان وقيمته العليا وقدراته الخلاقة، فنهض عملاقاً يكتشف ويصنع ويخترع ويبدع في أعمال أدبية، شعرية / مسرحية، موسيقية وكذلك في مجال الرسم والنحت، وبدأت قيم جديدة تنشأ بعيداً عن تلك التي تطالب بالخضوع دون قيد أو شرط:

      ثقافيـاً   : للكنيسة،

      سياسياً   : للملك المطلق المدعم بالتفويض الإلهي ،

      اقتصادياً : لأمراء الإقطاع والنبلاء،

 

مثلت هذه القيم الجديدة، ثورة عارمة وعميقة الأغوار، وإن شاء البعض أن لا يعتقد كذلك، لأنها كانت خالية من عنف الثورة وأنفجاراتها، ولكن أوربا ستشهد قريباً وميض تلك الأنفجارات وقرقعة الأسلحة ونشوب الثورات العظمى، التي سيمتد شعاعها إلى أرجاء أوربا والعالم، تلك القيم الجدية التي حمل لوائها طلائعيون من مناضلين في حقول السياسة، وعلماء وفنانين ومفكرين وأدباء، كانت هذه القيم الجديدة تكرس قيم وجماليات جديدة. فعندما صار الإنسان ثميناً، صارت التوجهات والقيم مكرسة لخدمة الإنسان وكم زخر عصر النهضة الذي أخذ اسمه من قيمة حقا، الولادة الجديدة، ففي تفحص نتاجات عصر النهضة وما بعده، نستطيع ببساطة أن تتبين المعاناة الإنسانية ناطقة في تلك التماثيل واللوحات، وفيما بعد الأدب والمسرح والموسيقى.

 

لقد مثل عصر النهضة النافذة الكبيرة المشرعة صوب النور والحرية والتقدم فعلاً. فلولا عصر النهضة لما عرفنا الانتفاضة الاحتجاجية اللوثرية في الكنيسة الكاثوليكية، ولما توصلنا إلى عصر الليبرالية وإلى عصر التنوير، ولما عرفت الإنسانية الثورة الصناعية التي كانت الوليد الطبيعي الحتمي للتطور العلمي، ولا الثورة البورجوازية الإنكليزية ومن ثم الثورة الفرنسية وما انطوت عليه من تحولات هامة في تاريخ الإنسانية الحضارة العالمية.

 

 

*           *             *             *

 

والفنان الذي نحن بصده، هو: مايكل أنجلو بوناروتي، هو واحد من الفنانين الكبار، الأساتذة في عصر النهضة، لطالما كان حاضراً في ذاكرتنا منذ الطفولة وفي صدر شبابنا عندما كنا نطالع الأعمال الفنية الخالدة التي خلفها هذا الفنان الكبير الذي يعد بحق من أبرز فناني عصر النهضة، وقد أسعفني الحظ أكثر من مرة بمشاهدة عيانية للأعمال الخالدة لهذا العملاق الفني، عندما وقفنا بإعجاب أمام أحدى روائعه أطلاقاً وهي تمثال الرحمة La Pieta التي أنجزها بين أعوام 1498 ـ 1500 في مدخل كنيسة القديس بطرس في الفاتيكان (روما) حيث استطاع، وتلك هي واحدة من مآثر فناني عصر النهضة، تجسيد عاطفة الأمومة، إذ تحتضن السيدة العذراء جثمان ولدها السيد المسيح بعطف طاغ وألم إنساني عميق، يملأ الناظر حزناً، أستطاع هذا الفنان الأستاذ أن يشعر به وأن يتصوره ويتمثله، ثم أن يجسده على صخر المرمر، لتفر الدموع من أعين البشر.

 

ثم وقفنا أمام التمثال بكل أسف مرة أخرى عندما كان معتوه قد أنهال على هذا العمل الفني الرائع ضرباً بمطرقة، فحطم جزء منه، فحجب عن زوار الفاتيكان والسواح بستارة، ولكن لحسن الحظ كان هناك من أعاد الروعة إلى هذا الأثر الخالد، فرأيته مرة أخرى بكامل روعته الفنية في مكانه بمدخل كنيسة القديس بطرس في الفاتيكان، ثم برؤية ممتعة لا تصل أبداً إلى درجة الاكتفاء والإشباع رافعين رؤوسنا وقوفاً إلى الأعلى، إلى سقف كنيسة سستينا Sixtin، ومن بين تلك الروائع المرسومة على السقوف والجدران والتي لا يمكن أن تفارق الخيال على مر السنين، على سبيل المثال لا الحصر، لوحه آدم التي أنجزها عام 1511. ولم يكن يدر في خيالنا أبداً أن نقوم بترجمة عن أعمال هذا الفنان الكبير بعد حوالي الثلاثين عاماً.

 

ولهذا الفنان أعمال أخرى مهمة في مدن إيطالية عديدة أبرزها: دافيد / فلورنسا، مادونا / بروجيا، رسوم على جدران (عدا كنيسة سيستينا) أيضا كنيسة ميديشي / فلرونسا، وأعمال أخرى كثيرة منتشرة في كنائس وأبنية سواء في روما أو المدن الإيطالية لا سيما فلورنسا، عدا عن لوحاته في المتاحف العالمية، الأوربية خاصة.

 

ويضم هذا الكتاب عدا هذا التمهيد والمداخلة عن عصر النهضة ثلاثة مقاطع، فضلنا أن ندرجها كما وردت في النص الأصلي للكتاب باللغة الألمانية. القسم الأول : ويتألف من 48 لوحة وتخطيط، ومشروع ودراسة، بيد الفنان أنجلو، ثم مداخلة مهمة لأستاذ ألماني ذو خبرة أكاديمية عالية عن فناني عصر النهضة وهو ديتر شمت  Diethe Schmidt، ثم شرح للوحات الثماني والأربعين، وتعريف دقيق لها. والمواصفات وأبعاد اللوحة، ومكان وجودها الحالي مشيراً في ذلك إلى مصدرين هامين لأعمال مايكل أنجلو من أجل التثبت بدقة عن اللوحات وعائديتها.

 

بالرغم من الوضوح التام في أسلوب أنجلو الذي لا تخطئه عين أي ناقد فني أو خبير بأعمال فناني عصر النهضة، وأنجلو أبرزهم. ولكن من أجل التأكد من عدم تزوير اللوحات الفنية وهي للأسف عملية متقنة الصنع في لأوربا في عصرنا الحالي، وأيضاً في زمن وضع هذا الكتاب وهو عام 1965 (لايبزج بألمانيا).

 

إنني أعتقد جازماً أن هذا الكتاب سيكون مهماً جداَ لطلبة الدراسات الفنية : الرسم / النحت / المعمار ، بل ربما بدرجة مماثلة تقريباً للمثقفين ممن لا يسعهم أن يدعوا ملاحظة أعمال فنية، سوف لن تفقد أهميتها إلى الأبد، ويجب أن تفوتهم كأعمال أنجلو. كما أن أعمالاً كهذه هي مهمة للثقافة الفنية وتسد فراغاً في المكتبة العربية، أو لنقل تزيدها ثراء. ولقد كان هذا الهدف بالذات هو الداعي الحقيقي من وراء جهد غير بسيط تكبدناه في ترجمة هذا النص الصعب جداً، من أجل خدمة روافد الثقافة العربية.

 

إني أقدم هذا الجهد إلى كل فنان ومثقف عربي، مساهمة متواضعة في عالم الجماليات الثري، والمترامي الأطراف...

وما أجمل بلادنا ورموزها وقضاياها !

 

ضرغام

 

ديتر شمت                                            

 

 مايكل أنجلو : ملاحظات / ترجمة د. ضرغام الدباغ

 

خلال القرنين الذين كانا مثيران بمعاصريهم: دانتي Dante ، ونيكولو بيزانو Nicolo Pisano  وجيوتو Giotto وصولاً إلى مايكل أنجلو، تفتح عصر النهضة من بذرة إلى أزدهار، كان دانتي قد أهدى الإيطاليين بأعماله باللغة التوسكانية(1)  الفولجارا Volgara، لغتهم الموحدة. وأكتشف لهم نيكولو بيزانو تقاليدهم الوطنية من الموروث الروماني، ووضع في تماثيله أجمل الروائع الغوطية(2)، كما حل جيوتو بلوحاته عقدة ألسنتهم، وبهم ومعهم أحرزت القرون الوسطى نهوضاً عظيماً في حركة، حققت المكتسبات المبكرة للمواطنة في الجمهوريات الإيطالية في نهاية القرن الثالث عشر متمثلة بالسلطة السياسية، وها هي تحاول الآن أن تحرره ثقافياً.

 

وبوعي تام للقوى الفنية ودورها التاريخي، مضت حركة النهضة كالعاصفة تحاول الاستيلاء على الحياة الدنيوية بأسرها، فمضى فنانوه وعلماؤه يتوصلون للاكتشافات العظيمة في مجال الطبيعة والإنسان والأفكار. وبالتغلب على طروحات رجال الكنيسة، فولد الفكر الإنساني وأدرك هؤلاء (الفنانون والعلماء) بالتالي أن تمزقاً تدريجياً يلحقه نجاحهم في الصراع مع ممثلي القرون الوسطى، للأفكار المثالية وبضيقي الأفق من الإقطاعيين والبابا والقيصر، فانطلقت المشاعر والأفكار القومية الصادقة وتفاعلت بشكل شمولي مع معطيات العصر القديم، وبخاصة التقاليد الرومانية بوصفها عاملاً مساعدا في ولادة وعي ثقافي وسياسي، ومع الأشكال والمنظومات الاقتصادية للطبقة الفتية، مع الحقوق وقوانين العصور القديمة (3) ومع العلوم الطبيعية والفلسفة: اليونانية / الرومانية / العربية، فبدأ نظام اجتماعي بورجوازي جديد بالتشكل.

 

كانت البيئة(المحيط) المتمثلة بالإقطاع والآخذة إلى الرأسمالية تغري وتدفع باستمرار إلى أشكال من أرستقراطية بورجوازية ـ إقطاعية. وتحت شروط التراكم الابتدائي (المبتذل) دارت عملية التمركز(التكاثف) الرأسمالي بسرعة شديدة تفوق المعتاد، فخلال جيلين أو ثلاثة أجيال تحولت فيها الرأسمالية التجارية المتوثبة(وبعض الشرائح الثورية) إلى أرستقراطية تبحث عن الأرباح، وفنياً انعكست هذه الاتجاهات في أنماط وأشكال فخمة: فابريانو Fabriano الغوطية الجديدة على يد بوتيشيلي في عهد لورنزو ماجينيفنكوLorenyo Magnifico .

 

ويجد المرء أعلى درجات الوعي السياسي لأعظم إمبراطورية، وبأشكال متطورة، ملتحمة بتاريخ فلورنسا، والتي استحقت بهذا المعنى اسم أول دولة حديثة في العالم. واكتسبت الروح الفلورنسية الرائعة وعيها الفني بحدة، وبذات الوقت كانت تتحول بلا هوادة ولا انقطاع لمواقف سياسية واجتماعية تعدها لمثل ذلك.

 

ويؤكد جاكوب بورشهارت: أن فلورنسا كانت حقاً المركز الثقافي لإيطاليا في القرن الرابع عشر والخامس عشر، ومثلت منذ عصر كوزيمو دي ميديشي Cosimo de Medici (4)، الكفة الراجحة والثقل الأهم في الحياة السياسية الإيطالية. وبحق كتب جيوفاني فيلاني Giovanni Villani عام 1300: " روما مدينتي الأم، تغطس(تغرق) ولكن ينتظرها في نهوضها قضايا كبيرة ".

 

في نهاية الكوادروسنتو (ربع القرن)، ففي عام 1494 استدعى الحاكم المايلاندي (ميلانو) لودفيكو سفورزا Lodavico Sforya، الفرنسيين إلى البلاد لكي يتمكن بمساعدتهم ترجيح ثقل كفته في التوازن بين القوى الإيطالية المحلية لمصلحته. ومن آثار ذلك أن استغلت فرنسا وأسبانيا الحرب في إيطاليا لخوض الصراع من أجل السيادة على أوربا على أراضيها، وأيضاً من أجل ترسيخ وتمتين دولهم القومية وحمايتها. ومن خلال هذه الصراعات ولدت فكرة الدولة القومية الإيطالية وكانت عقيدتها :

 

الدومنيكانية السافونارولا، إذ طالبوا بإيطاليا ملكية مسيحية وبرحمة وعناية مباشرة من الله، وبذلك تكون فلورنسا على قدم المساواة مع الملوك والقياصرة والمحاولة بالأصلاح الداخلي للكنيسة ضد البابوية الدنيوية تجسدت في الكسندر السادس .(5)

 

كانت مسيرة التاريخ مليئة بالتناقضات كأحلام السافويين(دولة سافوي)، وآلت إلى الفشل فكرة المناداة بايطاليا الموحدة، والأفكار التي أخفقت في خضم السياسة الواقعية، ثم واصل حملها يوليوس الثاني Julius (1503ـ 1513) والبابا ذو الأفكار الميدشية ليو العاشر Leo (1513 ـ 1521)، والبابا كليمنس الثامن Klemens (1523 ـ 1521 ). وقد جرى التعامل مع هذه الأفكار بطريقة خاطئة وطبع عليها الأنانية القطرية (دولة المدينة) وانقلبت التحالفات وتغيرت بين القوى الإيطالية نفسها بهدف تحرير إيطاليا من القوى الأجنبية.

 

ومن الآن، فإن روما سوف تشع على كافة المراكز الإيطالية، وحتى نهاية الكواتروسينو(الربع الأخير من القرن). ولعبت دوراً متواضعاً في الحياة الثقافية لشبه الجزيرة الإيطالية (أبنينو). وكان الفنانون الذين سحبوا قبل ذلك للعمل على جدرانها من جيوتو Giotto وصولاً إلى ماساكيو Masaccio ودونا تيللو Donatello حتى بوتشيلي Botticelli قد عجزوا ذلك. ولكن الآن ومع انهيار القرن، حيث كانت ذروة عصر النهضة في القرن السادس عشر، استطاعت روما أن تنتزع لنفسها القيادة السياسة والثقافية أيضا، كما انتزعت من سائر أرجاء البلاد أفضل مواهبها لتكون في خدمة البابا وإدارته المركزية والأفكار القومية، ولم تنجح سوى فينيسيا فقط في الإبقاء على كيانها ووجودها حتى أيام نابليون.

 

وفي نهضة هذا المركز الجديد، تراجع إلى الخلف، الوسط الثقافي البورجوازي القديم ليأخذ صفة محلية وكذلك الفنانون الذين ارتبطوا به مثل بيكافومي Beccafumi في سينا وروسو Rosso، وبورنتوموPintormo في فلورنسا، وبورميجيانينو Pomigianino في بارما، الذين كانوا قد أسسوا منذ عهد وصايا لوثر نظرية المنهج أو الأسلوب الذي ابتدأ عام 1527 شأناً إيطالياً في البدء، وأوربياً في النتيجة.

 

ولكن روما نفسها والأفكار التي دارت فيها، كانت تطمح إلى إيطاليا موحدة، واحتاجت بالكاد إلى ثلث قرن (33 عاماً) فقط لبروز ظواهر قوية للنهضة ولكنها عجزت بشكل تراجيدي عن كل استجابة، وهكذا صار بالإمكان مقارنة الفنون الكلاسيكية مع حطام وأنقاض بناء آخر الذي لم يكتمل بناؤه قط والذي كان شكله الأصلي قطعاً محطمة وإيصالات غير تامة، ولا بد من إتمامها، ولا يخلو من الصحة، الزعم بأننا لا نعلم عن أي مرحلة من تكامل تاريخ الفن الإيطالي من العصر الذهبي إشراقا، أكثر من ذلك الذي قاد كمدخل إلى الفن الكلاسيكي.

 

وسوية مع برامانت Bramant (1444 ـ 1514) ورفائيلRaffaael (1483 ـ 1520) يعد مايكل أنجلو بحق، من مؤسسي كلاسيك البورجوازية في عهود ازدهار مرحلة النهضة ذات أفق وروح عالمية إنسانية، بتبصر ورشاقة وبساطة وفرح، نمطاً بطولياً، أضافت الكثير من الحيوية إلى بؤرة الحركة وليدور فيها صراع الاتجاهات الفنية، وتنمو بانسجام تام في أعماله قوى روحية وبدنية. وتنبئنا نهاية القرن كيف كانت الحياة تؤشرها صلات الخطابة. وفي نجاح المعماريين برامانت ورفائيل وأنجلو التي تمثلت بتشييد كنيسة سانت بطرس التي كانت تنطوي أساساً على المطالبة، والادعاء بتأسيس قلب جديد للعالم (الفاتيكان)، ولكن أياً منهم، من المعماريين سوف لن يعيش ليشهد أتمام ذلك العمل.

 

وقاد أنجلو الفن الفلورنسي، بل والإيطالي عامة، إلى قمة محفوفة بالتراجيديا، ومضى ينمو في ظل أكاديمية أفلاطون لورنزو ماجنفيكو. وبعد قصص وحكايات جيرلاندايو Ghirlandajo، غدا بيرتولدوPertolando معلمه. وبنظره فإن مايكل أنجلو قد ولد ليكون فناناً نحاتاً، وأنجلو رأى العالم مليئاً بالأجساد بدل الفراغات المزاحة، وكانت هذه عماد إنتاجه الفني حتى كتخطيطات أو كرسوم أو كأعمال معمارية، بل وحتى الشعر. ومثلت أعماله المعمارية شيئاً أكثر من عبقرية جمالية في متحف لورنزو، فيما مثل اجتهاده الديني والسياسي عناصر الإشعاع الروحي لديه. ومن هذا الانطباع الفني الأولي المبكر، اقتربت وطنية الشاب البورجوازية الثورية من الارتباط مع أقدار مسقط رأسه في مدينته فلورنسا وإيطاليا.

 

 وحيال الحرص على نيل الشهرة، ولابد أن الأمل كان يدفعه مباشرة في التأثير على الأقدار السياسية من أجل كسب المرحلة، أو على الأقل الاقتراب من مركز الحسم والتحرك ضمنه ومن خلاله، برغم الصعوبات والمعوقات والشروط المعذبة، ووضع فئة جديدة في خدمة البابا، كان عليه أن يربط حياته مع روما. و قادته المعاناة والشعور الوطني إلى حمل أزميله وإنجاز منحوتته دافيد (داؤود). وعصره الذي كان يضم عظماء مثل دوناتيللو Donatello، وفيروشيوVerrochio وباولوجولو Polajuolo جيرلانداجوGhirlandajo، كانوا قد اعتبروا أن تمثال داؤود المنتصر هو رمز لمقاومة الطغيان وهو رمز لدستور فلورنسا كرمز ضد الطغيان، داؤود القوي ذو الأكتاف المفتولة كمدافع شرس عن الحرية. لذلك عندما أضطر آل ميديتشي عام 1527 طرد الجيوش الأسبانية، تم تكليف مايكل أنجلو لإنجاز الدفاعات عن توسكانيا.

 

وفي أعمال : مثل الرمز تيتوس Tityos، إيطاليا المقيدة بالأغلال الأسبانية. في حين عبر سقوط فايتون Phaeithon، انهيار الآمال في وحدة وحماية الشعب والأمة، كما مثل التمثال النصفي لبروتوس تعليقاً شخصياً(رأياً) للاغتيال ألطغياني للدوق الأول من آل ميديتشي. أما في أليساندرو Alessandroفقد جاء التعبير فيه كرمز يشير بوضوح إلى الكراهية العميقة الجذور للطغيان الذي يشعر به الفلورنسيون. وكثيرة هي الرسائل والسونيتات(القصائد المغناة) التي تؤكد قوة الوعي السياسي والإنساني لمايكل أنجلو حتى في مرحلة تقدمه في السن(شيخوخته).

 

والمراحل العليا من عصر النهضة، الذي لم يكن ذلك العصر البارد في أغراضه: مشكلات فنية خالصة، واسترسالا في المثاليات كما يشير مؤرخو الفن البورجوازيون، فإنه  " كان انقلاباً تقدمياً عظيماً الذي عاشته البشرية حتى ذلك الوقت، عصراً أحتاج إلى عمالقة وأنتج العمالقة، عمالقة في الفكر والشخصية، ووفي تعدد الجوانب والمهارات(الأستاذية). ولكن ما تناسب معهم بصفة خاصة، أنهم كانوا وسط كل حركات عصرهم. عاشوا وعملوا في النضال الواقعي، وأختاروا حزباً ناضلوا في صفوفه ومنحوه القوة والشخصية وجعلوه لجميع الرجال. ويكتب أنجلز في مؤلفه " ديالكتيك الطبيعة " قائلاً " الزمن فقط يجعل الآمال العظيمة سهلة، وإنجاز الأعمال الكبيرة ممكنة ".

 

إن أفكار وأشكال الكلاسيك هي منجزات الديالكتيك الأصيلة، مولودة من الاستحقاقات المثالية للديالكتيك، تلك التي يستخدمها الفنانون كأوامر أخلاقية، من واقعهم غير الأخلاقي وغير المثالي. وبعد أن تمكنوا من أنجاز هيئة إنسانية في أحدى الورش الفنية، مضت مساعيهم بعدها صوب النجاح وقد أظهرت وأعلنت عن نفسها بمختلف الوسائل في شخصيات رائعة.

 

واقتحمت الطبيعة البحثية لليوناردو دافنشي Leonardo da Vinci المجالات الطبيعية والتكنيكية والفلسفية، ووقفت إلى جانب مهارة وتوافق والروح الهندسية لدى رفائيل. ولكن أنجلو داهم التعبيرات الشاملة المتعددة الجوانب الإنسانية والفنية العالمية ذات توجه تراجيدي أساسي. وكان ليو العاشر(البابا) قد وجد أعماله مذهلة، وكان قد أنجز بعبقرية،  أشكال خارجة عن نفسها مهتزة وممزقة في نزاعها الداخلي، وفي ضميرها ونفسها، تلك التي كان صانعها قد أقتحمها والتحم ديناميكياً في أجساد تماثيله.

 

وسرعان ما ذاعت ندرة عبقريته بين رفاق عصره ومرحلته. والعبقرية الفنية لأنجلو أظهرت نضجاً تاماً، والتي أثرت خلال قرنين من الزمان على الاتجاهات الفنية لفناني ذلك العصر وعلى أعمالهم الفنية بصورة مدهشة ومثيرة، وتعبيرات مدهشة للحرية، وبعبقرية وألمعية ثقافية بارزة. وكان العصر القديم والوسيط قد أعتبر الفنون التشكيلية خارج نظام المجتمع وإطاره، والفنانين خارج المراتبية الاجتماعية(المرتبة الاجتماعية / الطبقية بحكم الولادة). وفقط الأفاق التي فتحتها الرياضيات، التي قادت حتماً إلى انضباط على صعيد الفن، وابتداء الفنان بالصعود في مراتبية " الفن الحر " فيما كان الإنسانيين يسدون مساعدة فعالة قوية في تصاعد رؤية الفنان الذي كان يزداد بنفس الوقت رقياً، ورؤيته تتوطد وتترسخ، ويتنامى بالمقابل دعم نخبة من الصفوة الذين في خدماتهم يبحثون عن الأصل، وكذلك أصحاب الثروات والأملاك ويستدعي الوعي التاريخي الجديد، الزحف إلى الخارج وإلى الأعلى حتى من خلال الأغنياء ومن مشجعي الفنون الذين كانوا يطالبون الفنانين أن يرسخوا وأن يطبعوا في أعمالهم وفي ورشهم الفنية الأعمال المدهشة، وأن يحرسوا أفكارا الأجيال القادمة، وأن يربط أسمه الشخصي بأسماء الفنانين وليخلد ذلك في التاريخ.

 

وفي ذلك يختلط القديم (6) بالآمال المسيحية، وذلك ما يمثل الخوف أمام الغرق في النسيان التام " هناك ما يكفي من الملوك في العالم، ولكن مايكل أنجلو واحد فقط ! " هكذا خطت ريشة الأكثر تملقاً وتزلفاً من بين كتاب إيطاليا بيترو أرتينو Pietro Aretino عام 1537 إلى الرسام أنجلو، وفي هذا إنما كان يعبر عن تصور العالم أجمع. وفي جميع المخططات التي كان يزمعون أنشاؤها، كانوا (فنانوا جيله) يرجون مساعدته والمشاركة بخطوطه ونصيحته وأحكامه.

ولكن حافة الشهرة لزجة ولزقة، ومثقلة بالتشريف والتكريم وتكتنف مشاعر جماعة الفن، في مشاغلهم وورشهم حيث يستشري التنافس بينهم وحيث توقظ هذه المشاعر الحسد والكراهية، وشيئاً من العظمة، والطمع في الشهرة والمجد من زملاء عصره الذي عكس أجزاء شعاعهم. وتتمثل الدناءة والخبث في رسالة أرتينوس Aretinos إلى أنجلو عام 1545، يتهمه فيها ويقذفه بقلة الحياء في لوحات مثل " مقصورات الاستحمام " الخليعة بتهمة الإخلال بالآداب فيشي به لدى محاكم التفتيش(7) في سياق من أباطيل وشتائم: إذا كان ضميركم دفينو Divino (ضرب من تلاعب بالألفاظ تعني: عندما يكون ضميركم إلهيا)، فإني لن أكون من الماء" ظهرت كوخزة أبرة قياساً إلى عادات وأساليب الصراع التنافسي في هذا العصر الذي لم يكن فيه أي شيء محرجاً، عصر ميكافيلي حيث كل وسيلة تؤدي للهدف هي مقدسة. وكان كايزر دو كاستيلدورانتي Cesare da Casteldurante يدير مشغل(ورشة) أنجلو في كنيسة سانت بطرس، قد طعن في آب 1563 طعنة مميتة (قطع الرقبة)وكانت تلك تحط من قيمته، بحسب مقاييس معاير ووسائل التنافس بين "المثقفين الأحرار".

 

حتى التنازل عن أجر عمله في كنيسة سانت بيتر لم يكن ليخرس الحزب المعادي(لنجلو)، ومع تحرير الشخصية أدى عذاب ضبط الأعصاب، صراع الكل من أجل الكل، من أجل الحصول على مكان ضمن المراتب الفنية، وفيما عدا ذلك صار بالإمكان تلبية أسرع لأفكار الفنانين، للأشكال الباقية في الورش وتبديل الأشخاص والخطط والرغبات لأصحاب الطلبات. وقد أفسد تتابع البابوات خطط الفنان أنجلو ومن سبقه من أجل أن ينال مقدمات كسب الشهرة. وبسبب التجارب المرة لأنجلو التي تتقاذفه هنا وهناك، بين رغباته الشخصية من أجل تحقيق الكمال، أو تلك النابعة من أفكار ومشاعر تدفع إلى طلب الخلود، وطلبات جديدة، وليست تراجيديا يوليوس كرامالس Julius Gramals سوى المثال الواضح على ذلك. وما حدث وجرى في واقع الأمر والمرحلة والمحيط قد أزداد حدة من خلال القدرات الإبداعية المتدفقة للفنان الكبير ومن خلال تواصل تقدمه إلى الأفضل والأجود الذي به ومن خلاله يحاول الفنان أن يجسد رؤيته الداخلية ويرغمها ولكنه سرعان ما يتوقف عندما تبدو له فكرة متعارضة معها فيتحول بغضب ثائر إلى الضرب على المرمر، أو عندما يعيق صدع أو شق طبيعي في الصخر إبراز الكمال في عمله.

 

والترقيع وعدم الكمال منعه من التصاعد بالوعي النوعي(وعي النوعية ـ اليقظة النوعية) وقد أملى عليه النقد الذاتي والشك في الذات وعدم الاستقامة وروح الصنعة في العمل، واكتسبت شخصيته ذات الطابع الفردي، وكان طابع عصره، ولم يكن بوسعه إلا أن يكون كذلك. وكذلك كانت أعماله كجزء من حياته. وعدم الكمال في تشوقه ونهمه إلى الكمال، وكذلك التعابير الشخصية وتعابير عصره. وقد أوضح بلاتساك Blayac إن هذا النزاع الإنساني الرومانسي المبالغ به في قصته القصيرة (مشغل الفنان المجهول) وإن ما يؤثر في العمل المتكامل هو العوائق السياسية والوطنية والشخصية الذاتية التي تنال من الفنان وعمله رغماً عنه.

 

وقد طرح أنجلو نفسه مرة أمام الهيئات الحكومية لروما، غالباً للهرب من التهديدات السياسية أو من الطاعة، ولكن روما كانت تسحبه دوماً مرة أخرى إلى مركزها النابض، وربط مصيره مع القوى الدنيوية، وساهم ذلك في إنضاج معاناته وفنه الهائل كان سيكون شيئاً غير مذكورا بدون هذه التجارب، شيئاً لا يذكر بدون هذه المشاعر وأن يأخذها على محمل الجد وليجمعها.

والتلاعب بالألفاظ باستخدام " لو كان" أو " إذا " هي تعابير قلما يتوقف عندها المؤرخون. ولكن تيزان Tizan كمثال: يبرهن عن استعداد العظماء بالتعامل مع الفن.(8)وإن الفنانين كانوا يبذلون الجهود الكبيرة لإنقاذ أنفسهم من سطوة السلطات الدينية، وكبح جماح أو صد أمزجتهم وطلباتهم التي لا مقياس لها. وبصورة مشابهة لما استطاع عمله فيما بعد روبنس Robens(9)عندما أتقن فن الدبلوماسية بأرفع المستويات، كما كان تيزان قد أتقنه.(10) ولم يكن روبنس يقبل طلبات الأعمال بدون شروط، بل هو أساساً لم يكن يبحث عن الأعمال، بل أن الأعمال كانت تأتي إليه، وقد توصل روبنس وكذلك تيزان إلى مكانة رفيعة في مملكة الفن.(11)

 

وأنجلو لم يكن دبلوماسياً، ولكنه هز القيود والأغلال التي كانت تحاول إن تقيده، فمضى يعدو بإصرار وعزم لا يلوي على شيء بموضوعية ضد الضغوط المتصاعدة في عصره بدون أن يقعده الشلل الذي نجم عن ذلك في الصراع مع تلك القوى التاريخية. وفي خضم ذلك، تصاعد دوره ليكون أباً لفن الباروك Barock .(12)

 

اكتسبت الغالبية العظمى من أعمال أنجلو الفنية، القوة من خلال تجمع التجارب الحياتية العميقة، وأصبحت أكاديمية لدى الأجيال اللاحقة، التي نمت بدورها من خلال هؤلاء العمالقة أيضا، ولا بد أنها كانت واعية بأن هذه المنجزات الخلاقة لا يمكن تجاوزها. ومن هذه القمة تمضي جميع الطرق إلى الأمام حتى عندما يسعى على تسلق قمة أعلى، فهم لم ينتشلوا فنهم من الحياة فقط، بل يستقطرون الفن من الذين اقتدوا بهم.

 

الفن للفن  L art Pour L art "" (13) كانت النقلة البارزة في أسلوبية الفن. والعسكرية طبعت التكوينات(الأشكال) بالصرامة، وتركت طابعه في أساليب التمجيد. وآخرون تجنبوا الضغوط المسلطة عليهم بالتجارب في مصورات تعكس مذهب اللذة وبهرجة الألفاظ الشكلية، والتفكير السياسي في الحياة الإيطالية، والنضال التنازعي بين التيارات الثقافية، في هذا الموقف المتأرجح بين النهضة والمطلق، مع توازن نسبي بين البورجوازية في الموقع المتراجع وقوى الأمراء والنبلاء المتقدمة كقوى طبقية، وجدت تعبيرها في انعكاس جلي في الأسلوب.

 

وكان الحظ قد أتاح لأنجلو أن يصل عمره حتى 90 عاماً متماثلاً في صموده مع زميله الفينيسي تيزان، فاشتبك متلاحماً مع الاتجاهات المتفتحة للقرن بأكمله.

 

وكان تيزان قد أنتج من الضياء المنتشر من بحيرة الفن، رسوماً جميلة، وهو بذلك كان قد توصل إلى الكمال والفخامة في المعنى والهدف، التي وجدت مع ليوناردو دافنشي المدخل إلى الرسم الإيطالي. وأنجلو الفلورنسي كان قد أسس كل فنه على السلطة الروحية للمنهج. وبالنسبة لفن شبه الجزيرة الإيطالية، (14) كان الانطباع على هذا الانضباط الفكري من خلال الرسوم، وكان عرض التماثيل والرسوم(اللوحات)، الفن المعماري، والبحوث العلمية والفنون الصغيرة، كانت تعبر بوصفها الوسيلة الرئيسية لتأكيد الحضور والمعارف العلمية. وأنطلق التطور من الرسوم، الموديلات الموضوعية، ثم تصاعدت الرؤية Vision. ومن خلال هذه المساعي المتفاوتة، هدفت دائماً إلى الحركة الديناميكية للأجساد ولقياسات الأجساد التي تحركها الطاقة الداخلية تصاعداً من أنماطه حتى التغيرات الداخلية العميقة والحساسة في تناسق محلق إلى الأعالي.

 

هذه هي بوضوح مراحل نضجه كرسام، ومحطات للعلاقات الموضوعية لتلك الأشياء التي تأتي بذاتها من اجل أن يقترب ويتحول إلى شيء ما. لقد أعلن الإنسان نفسه كنقطة وسط العالم، وجعل نفسه مقياسا لكل الأشياء. في الفن حيث يصبح النموذج، أو المرتسم المركزي، المبدأ الشامل لكل وجهات النظر والأشكال، إنها تعني موضوعية العلاقات الدنيوية(جعلها موضوعية) لإنسان عصر النهضة وليست فقط علاقات الإرادة من أجل المهارة الفنية والتفوق وتنافس الفنانين، بدون أبداء أو صرف جهود لصعوبات لا يمكن قهرها والتي تؤدي إلى خدمة للناظر إلى الأجساد في الحركات، الاستدارة، والحركة بين الاستلقاء والوقوف والدوران، التسلق، الطيران والارتطام. وقد تمت الاستعانة بالرياضيات والفيزياء والتشريح والفيسيولوجيا(علم وظائف الجسد)، وابتداء فإن أولى تلك المحاولات قد بذلت في علم النفس من أجل تقوية المعرفة وأهمية الموضوعي بالنسبة للذاتي وفي ذلك لم يكن هناك من يضاهي أعمال أنجلو في اللافردية.

 

وكان هذا الفنان قد أمتنع طيلة حياته عن البورتريهات (Porträt ـ الصور الشخصية) ولم يكن عالمه وعلاقاته الإنسانية موضوعاً للبرتريهات، بل مصدراً لاستلهام الأنماط. والذاتية حلت في نقطة أخرى عن تلك التي كانت في الربع الأخير من القرن، التوظيف الرامي للملحمة، فقد ركزوا صورتهم الدنيوية على القوى المتحركة بدلاً من عرض المظاهر المختلفة. إن الطاقة المحركة للأجسام المتحركة تقررها الأجسام نفسها وتلتهب ذاتياً في التصادم والنضال مع الآخرين، المتآخية معها أو المعادية لها وليس قبل عصر الباروك الذي استلم إطار الإخراج وأخضع الأجساد في سيادة إجبارية طغيانية.

 

وكشاب أكتسب أنجلو الرسم والمؤشرات من أسلافه، ومن ذات الوقت في سعيه امتلاك المادة وإعادة تقيم تقاليد وأساليب جيوتو Gioto 1267 ـ 1337) وبيزانو Pisano 1290 ـ 1348 وماساكوس Masaccis وكويرسياس Quercias ودوناتيلوس Donatellos مع واقعيته المهمة كانت بالنسبة له أقرب إليه من الرواد الذين كانوا قريبين منه بصورة مباشرة وكان انطباعهم لمحتوى تدرج الأشكال في الصور من خلال التميز، ترجمتها من خلال تعارض الأنساق والانقسام، والسيطرة على الذات والخضوع أمام الجمال والقبح، وذو الصفات الشخصية أو ما ليس له شخصية متميزة في مستوى واحد من التصور الجسدي، وكذلك درس الأمثلة الراقية للآثار القديمة من بين كل الذي تعرف عليه في المبادئ الأساسية لنحت التماثيل. ومنذ البداية لم يكن أنجلو مقلدا، أي بمعنى الناسخ، فقد حول كل شيء إلى توسكانيا التي كان يحبها ومنحها شكلاً درامياً حسب عصره وإدراكه الإنساني لها. وقد أستخدم في إنجازها (التماثيل) أدوات معدنية. وكانت جيرلاندايو Ghirlandaio  1449/ 1494 قد أهدت إليه هذا التكنيك، ولكنه عمل منها أشياء جديدة. وظل جيرلاندايو حبيس عصره وزمنه فأكتفي بخلاصة الملامح وإملاء المساحات بالرسم.

 

أما أنجلو فقد اصطدمت النواة المجسدة بقوة الانطباع الناجم عنه، وبالذات في المقارنة بالرسوم المستنسخة(طبق الأصل) ويقفز المثال Example   لهذا الإنجاز الهام أما العين. وقد استخدم(أنجلو) واستفاد من خطوط الصليب المتوازية من جيرلاندايو، وقد توصل إلى ذلك من خلال المعلومات، من لوحة نحاسية تذكارية، لتشكيل هيكل التماثيل، وإلى مرحلة أحال فيها الأعمال إلى وضوح تام وجعل المعرفة سبباً تفضي إلى أعمال رائعة. وفي عملية تصفح لأوراق شبابه لأعوام العقد الأخير من القرن(الكوادروسينتو ـ ربع القرن) كسب الرسم مرتبة المستقبل القائم بذاته كعمل فني وتواصل الاهتمام به بوصفه أساس الفنون التشكيلية وأن تذكيره للطلاب، ولتلميذه أنطونيوميني Antoni Mini (لاحظ اللوحة 23)، ما يدل ويبرهن على وعي أنجلو: رسوم، أنطونيو، رسوم أنطونيو. وهكذا فإنه لم يضيع وقتاً وخرج بكمية وفيرة من المعارف وبأنه فكر طوال الوقت هكذا : إن الرسم هو أم لكافة الفنون.

 

بقيت أوراقه والدراسات لبعض أعماله منذ عام 1500 وهي تنطوي على تخطيطات رائعة لبرونزـ دافيد، بعد عودته من أول إقامة في روما، ابتدأ الصراع مع غوامض أعمال ليوناردو الرائعة، وهنا أيضاً قادته إلى التملك الشخصي من خلال التحول من رسوم المناظر الخلابة إلى الأشكال المستوحاة من الروح في النحت وعمله في منحوتته لآبيتا La Pieta الرحمة(15) وداؤد والعمالقة، وكان أنجلو قد حقق المجد لنفسه. وبأعماله المشهورة : مادونا، Madona وعائلة دوني Familie Doni (16)كان قد أعلن النضال والحرب ضد سلطة وأسلوب ليوناردو دافنشي، وكان كلاهما قد دخل (أنجلو وليوناردو) في نزاع مباشر حول تسجيل صور القتال في لوحات من الكارتون(17)في صالة بلدية فلورنسا حيث كان الموضوع Thema يدور عن لوحة تاريخية، والواجب الفني Ar tesk كان كلا الفنانين قد رأياه في الحركات الدرامية للأجساد وقياساتها. ولكن أنجلو وبدلاً من اهتمام ليوناردو بحومة المعركة، معارك الفرسان التي جرت بالقرب من أنكياري Anghiari، وبدلاً من ذلك، قدم أنجلو صور من الحياة اليومية مثل: لوحة الجنود المستحمين، الهجوم المفاجئ من العدو في كاسكينا، وفي ملف تعليمي، تشريح للأجساد ضمن شروط الحركة(في ظروف الحركة)، وقد تصور(وضع) قانون لحركة الأجسام، والذي أضاء فيه كوميض البرق، رسالة حياته ونظراته إلى الحياة. ومن هذين العملين تعلم جيل كامل من الفنانين التوسكانيين، ومنها أتخذ عشاق التعلم المبهورين. وهكذا تلاشت حركة الكارتون وانتهت، افتراضا مثل وحي لعقيدة فنية جديدة، وغدت كأسطورة شامخة كاملة لا مزيد عليها.

 

أبلغنا أنجلو عن هذه المهمة الفنية Art rask بوسائل الرسم والقدرات، وإلى جانب الريشة، فهو يستخدم الآن قلماً معدنياً اسود، وطباشير بلون اسود وأحياناً بالريشة أيضاً من أجل الإيضاح وأبحاث الشكل والتوصل إلى خلق الانطباع، ومنذ ذلك الحين تزايدت أهمية الطباشير حتى العشرينات، وأصبحت عادة مؤكدة في الورش الفنية للرسامين.

 

وقد كان دائماً وأبداً يسعى إلى التنوع في استخدامه لأدوات الرسم لجعل الفن واقعياً. ومن أكثر الأعمال المستعجلة تلك التي كانت بواعثها Motiv، رسوم مستعجلة ودراسات الأحجام وموديلات واضحة الانطباعات تصل إلى حد الروعة والعبقرية " كرسوم تحفة " وكعمل فني مستقل وحر له تأثيره الهام، وكان بصفة خاصة لهذه التخطيطات دلالة في الدراسات التركيبية (إنشاء اللوحة) Kompoitionstudys. فنادرا ما تكون أعمال كهذه خالية من الثغرات ومصدرها ورشة فنية واحدة، تشرق بقوة وتنمو فيه الأفكار الفنية الناضجة. وفي المراحل التي أعقبت أنجلو كان التقدير والتثمين لا يدور حول العمل بأكمله وتنوعاته. وبالنسبة لنا اليوم فإن دفتر التخطيطات والرسوم الإيضاحية تدعونا للاستمتاع بأعلى الدرجات بهذا الفن الرائع بحيث تجعلنا نعيش معها ولادة لقيمة فنية جديدة وتدعو خيالنا Phantasie للاغتراف الفكري والفني منها، وإنها تدعونا وتطالبنا أيضاً للاعتبار، مثلما أعاد رودان Rodan اكتشاف تعابير في النحت، تعلمنا قيمة ونضج في عمل قديم لأنجلو: " أوقات النهار " في كنيسة ميديشي " العبيد خارج كهوف حدائق بولبي Bolbi ومجموعة البييتا Pieta.

 

ومن المشاريع الدراسية القليلة المتبقية عن سقف كنيسة سيستينا Sixtinen تلك التي كانت ومثلها أعداد كبيرة من التخطيطات صارت ضحية حرب الإبادة الرومانية للمراسم Atelie(ورش ومشاغل الرسامين) والتي كان الفنان أنجلو قد رتب هذه التخطيطات عندما أنتقل إلى فلورنسا عام 1517 وبعد تنفيذ حكمين متعاقبين بالإعدام حرقاً، مزق أنجلو مرة أخرى تخطيطاته(وكان ذلك في أواخر عمره(18)، وبذلك فقد تعذرت معرفة الأوراق الدراسية للأعمال الرومانية مثل : المرافعة الجديدة، والنقوش على جدران كنيسة باولينا Paolina وضريح يوليوس Julius، أكانت شيئاً للاعتراض الروحي (الكنسي) لميراثه أو أنها رغبة أو إنكار الولادة الشاقة العسيرة لأفكاره وعمله وكإنجاز نظيف ونقي، وكقدرة متميزة، بدون خطوة تمهيدية للإرادة ودون تنبؤ وبدون أبراز للصراع.

 

ترى ماذا حركت فيه هذه الإبادة ؟ (إبادة الرومانيين لأعماله الفنية)، وسوف لن يكون بوسعنا أن نتقصى الحقيقة فيما إذا كانت التجارب السيئة أيضا، كانت ذات تأثير عليه، مثل محاكم التفتيش Inquisition في عهد البابا باول السابع، الذي تعمد إبادة الأعمال منذ البداية. ومن ثم فإنه تعرض لنقد دانيال دي فولتير Daniel de Voltere الذي استنكر عليه رسم الجسد عارياً، والتي غطاها بقماش مطرز، وكانت المناسبة، تسليم الرسوم والكارتون إلى لهب النيران.

 

وفقط اللوائح والنظم الأساسية لمجلس ترايدنتير، التي كانت كل حرياتها الروحية مرتبطة عضوياً في توجهاتها وفعالياتها، وكان أنجلو في الأعوام الأخير يسوغ ويبرر قرارها.

 

لقد كانت رسوم الكارتون، معركة كاسكينا التي حملت إليه طلب رسوم سقوف كنيسة سيستينا، ومدفوعاً بلهفة الحصول على المجد، رسم يوليوس الثاني، ثم بدأ أنجلو عام 1508 بعد عامين من الدراسات والأعمال التحضيرية، بدأ العمل بالنقوش على الجدران، وبعد تعثر العمل، أنجز المساحة الأكبر في غضون أربع سنوات. وفي أكتوبر 1512، كانت قد أصبحت بارزة بشكل كامل، وظاهرة للعيان. وتوفر الأصباغ الملونة أظهرت الرسوم بأفضل من التماثيل، أجساد هائلة قوية مكونة من الضوء والظلال، وبإتقان قام أنجلو باستخدام الطباشير الأحمر والأبيض، وبضربات ناعمة أكيدة في الموديلات الشبه غامقة(أو مظلمة)، التي ظهرت ودخلت في التخطيطات أولاً، والتي كان تأثيرها العام من خلال نظام الخطوط المتوازية، ظلت شفافة بشكل تام. ويسري نفس الشئ على مشروع قبر يوليوس وكنيسة ميديشي وواجهة سانت لورنزو، للأجزاء المتحققة من هذه الأفكار الجريئة نفسها: رغم أن إجمالي المباني ينطوي على ذات الشكل، ووظيفتها واضحة كلياً، والفن الكبير لا يكمن في الحذف كما أعلن ليبرمانLiebermann فيما بعد، بل في محاولتها الذكية في التفاصيل، ورؤية شاملة في تدرج المراتب للكل والجزء.

 

كان على أنجلو أن يؤدي ما عليه إلى الأسلوبية (المنهج) بأكبر قدر من الوضوح والمعقولية بدأب ومهارة خطية كما حدث في عام 1530 في صفحات الهدية، ومحتواها لم يكن أقل من مزاج العصر الانطباعي من الآمال المدفونة في إيطاليا موحدة وحرة أملت نفسها بشكل فني. وكانت التجربة الفضيعة في سلب ونهب روما عام 1527 وتمزيق سكانها حيث أنحدر عدد سكانها من 90 ألف نسمة إلى 30 ألف نسمة، وسقوط إيطاليا لا حول لها ولا قوة تحت هيمنة أسبانيا التي اغتصبت إيطاليا وجعلتها تابعة لها وجعلت تجربة عصر النهضة في أعلى مراحل نضجها. في هيئة تنم عن تفكير عميق ل لورنزو دي ميديشي، وما نسب إليه من شروق آفاق جديدة هو هذا المضي نحو الكآبة السوداوية الحزينة.

 

ثم جلبت أحدث محاكمة 1534 ـ 1541، التغير (التحولات)، أرتقي أنجلو بنفسه من السلبية إلى الإيجابية الجديدة، وشكل كوناً من المشاعر والمعاناة التي هيمنت عليها تحقق الانتصار الأكيد للعدالة، عندما تخرج كافة أباطيل الحياة وألعابها وزخارفها خارج الطرق المحددة والمرسومة وينادي على الإنسان عارياً إلى العدالة فحسب. وحتى في التخطيطات تتمحور(تدور) الأفكار حول مفهوم الحاضر بوصفه العقوبة العادلة النقية، الآمال الكئيبة المظلمة والشك استدعت الرسوم الناصعة والغامقة لهذه السنة التي عملت ضد المعاناة والمروضة (التي كبح جماحها).

 

أخذت صحوة روحية أنجلو حتى أواسط الأربعينات. ومن المؤكد أن التعبير في مساهمته كانت قد تراجعت، إلى غيبوبة ورؤى قنوط للأشياء وللقرار الإنساني الحاسم. وكانت التجارب تشغله بشكل متزايد وقد ابتدأت مع النقوش على جدران كنيسة باول الثالث. وفي الفاتيكان و  " عودة باولي" و"صلب بيرتي" و "ماريا ويوحنا تحت الصليب" و " تنشير ماريا " ، مجاميع الحركة هذه تؤكد له كرسام خضوع وامتثال ، لا يطرح الأسئلة ولا شروط أو قواعد ولا مصير. ميلاده كما لو كان معلقاً.

 

 وكانت الأشكال تفيض بالروحانيات وبالخجل والورع، أما الرسوم فقد مثلت أجساداً عارية بلا عاطفة، ولكنها كانت مفعمة بالإنسانية. وحتى مادونا(العذراء) كمثال، ستبقى تحمل مغزى وعاطفة الأمومة إلى الأبد، همل خطوط محدود، سائب يوقظ النضج، يتأرجح القسم العلوي منها، ذائبة البشرة وقد جلا عنها سحب الضباب الفضفاضة، حيث تحجب الجسد أردية ثقيلة، ويضغط شكل الجسد مجسمة. إن لغة الولادة ذات الصوت المرتفع، تشوه والهدوء الناضج كما أنها تصبح القوة التجميعية والسماوية للظواهر المرئية. إنه إصغاء غريب لصوت داخلي تبدو أنها تسمح باحتوائها بصوت دنيوي. إن الدراماتيكي كصراع جسدي قد تراجع في مجال نفسي، وبذلك فإن أنجلو قد أرتقي في رؤية الموت، درجة روحية وبدا وكأنه استباق لأنجازية رامبرانت  Rambrantالرائعة(19)، وهنا تثبت كلمة غوتة Goethe(20) صحتها :" كل شيء عظيم ينضج ببطء"، ومنذ حوالي مئة سنة كانت الحاسمة من أجل الروحانيات في فن رامبرانت قد ظهرت وقد نمت فينا الفهم لرؤية النمط القديم لأنجلو.

 

إن بشريتنا تتعلم من الحكمة العميقة من الفخر العتيد وفي خشوع القلب الكبير من كل العظماء والنادرين الذين يرفعون " حقائق الحواس الخمس " غوتة، والواقعية للحالات الديالكتيكية للحياة فوق مجد ما يبدو مفترضاً من تناسق وبالضبط لأن ذلك يؤكد تنظيم سمعي متناسق، وأحد هؤلاء النادرين كان مايكل أنجلو الذي يتحدث إلينا عبر القرون.

 

 

 

هوامش الفصل

 

1  . توسكانيا : مقاطعة في وسط إيطاليا، عاصمتها فلورنسا، وكانت دولة قبل أن تتحد إيطاليا                                                                              المترجم

2 . الغوطية : غوتيك Gotik، أنماط فنية سادت في أوربا في القرون الوسطى 1140 إنكلترا ـ 1170 في ألمانيا ـ 1220 فرنسا .                                      المترجم

3 . الرومانية بصفة خاصة.                                                        المترجم

4 . حكم آل ميديشي فلورنسا مرحلة طويلة في تلك القرون.                         المترجم

5 . البابا الكسندر السادس Alexander  1403 ـ 1503                          المترجم

6 . القديم هنا : ما قبل المسيحية                                                    المترجم

7 . محاكم التفتيش الإرهابية مشهورة بقسوتها                                       المترجم

8 . رسم تيزان أحدى روائعه وهي تمثل البابا باول الثالث عام 1546              المترجم

9 . روبنس 1577 ـ 1640 أحد أبرز فناني عصر الباروك، هولندي الأصل عاش في

     إيطاليا وأبدع الكثير من اللوحات.                                               المترجم

10 . تيزان رسام إيطالي 1490 ـ 1576 وله أعمال مهمة                         المترجم

11 . بيتر باول روبنس 1577 ـ 1640 هولندي عاش وعمل في إيطاليا وكان أحد أبرز

      فناني عصره.                                                                  المترجم

12 . الباروك : مصطلح نمط وطرز في الفن والأدب  1580 ـ 1760 ابتدأ في روما، ثم

      أنتشر في أوربا وتميز بطرز العمارة والموسيقى.                               المترجم

13 . هكذا بالفرنسية في النص الألماني                                              المترجم

14 . لاحظ التفاوت غير البسيط في تطور أهداف الفن في المناطق الإيطالية المقسمة وتفاوت

      اللهجات واللغة.                                                                المترجم

15 . وهي تمثال السيدة مريم العذراء تحتضن جسد السيد المسيح بعد صلبه وهي من روائع

     موجودات كنيسة سانت بيتر(الفاتيكان) وهي على اليمين من مدخل الكنيسة       المترجم

16 . الموجودة في متحف Uffizien في مدينة فلورنسا                              المترجم

17 . كارتون Karton تخطيطات، رسوم أولية توضع على ورق سميك قوي تمهيداً لنقلها أو

     رسمها على الجدران.                                                           المترجم

18 . ربما في سورة غضب، أو خوف إذ كان الحرق هو عقوبة محاكم التفتيش الكنيسية ضد

     المكتشفين والعلماء والأدباء والمفكرين.                                          المترجم

19 . رامبرانت، رسام هولندي شهير 1606 ـ 1669                              المترجم

20 . غوتة ، شاعر وأديب ألماني ذائع الصيت 1749 ـ 1832                    المترجم

 

 

 

 

 

يرجى الاشارة الى موقع التحالف الوطني العراق عند اعادة النشر او الاقتباس

العراق باق ٍ والاحتلال إلى زوال