The Wayback Machine - https://web.archive.org/web/20200411140758/https://an7a.com/2015/04/06/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%84%d9%83-%d8%b3%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86-%d9%84%d9%8a%d8%b3-%d9%87%d8%aa%d9%84%d8%b1/
الرأيكتاب أنحاء

الملك سلمان ليس هتلر

ما أن بدأت عاصفة الحزم حتى تعالت أصوات أراء البعض في القنوات الإعلامية والصحفية ووسائل التواصل الإجتماعي، مطالبة الملك سلمان بأن يعيد أمجاد العرب والأمة الإسلامية التي تسطرها كتب التاريخ، بدءا بإستعادة كل أرض عربية محتلة، مروراً بالإنتصار لكل شعب مقهور، وتأديب كل نظام سياسي يقمع شعبه، وكل من ليس مع السعودية قلباً وقالباً لأنه بالضرورة ضدها، وإنتهاء بتحالفات ذات صبغة عنصرية وطائفية ودينية لكي يعود مجد الخلافة. بمعنى أخر، يريد أولئك من الملك سلمان أن يتحول إلى هتلر أخر، كما نسي القوم او تناسوا أن كنية الملك سلمان “أبو فهد” وليس أبو بكر البغدادي، سيّء الذكر، الذي يقتل ويشرد بإسم الدين والخلافة والدولة الإسلامية.

أن يتحمس الشعب مع جيشهم وقواتهم المسلحة خلال المعركة العسكرية فذلك أمر صحي. أن يشعر البعض بالقوة والمنعة بعد شعور بالضعف واليأس فذلك أمر طبيعي. أن يصاحب الشعور بالقوة أحلام يقظة وتفكير بالتمني لإستعادة كل حق مسلوب، ونصرة كل شعب مكلوم، وأن تكون الدول جميعها معنا وليس ضدنا فذلك أمر مشروع. لكن، أن تتجمع تلك المشاعر والأفكار والأمنيات إلى حد المطالبة جديا بمعالجة كل تفريط بقوة السلاح او قوة المال، فذلك دليل إعتلال فكري مزمن ربض في أذهان وعقول البعض حتى خرج معبراً عن مرض فكري يجب تصحيحه.

المراقب للشأن السعودي منذ تولي الملك سلمان الحكم يلحظ بشكل جلي وواضح خطاب البعض في الإعلام، وكأنه يحاول فرض صورة ذهنية لسياسة الملك. كل منهم يؤكد معرفته الشخصية بالملك للإيحاء بأن قولهم ورؤيتهم هي الحق والواقع والصواب ولا شيء غير ذلك. بلغ الأمر ببعض من أطياف ثقافية متضادة تقريبا، إلى خلق دولة سعودية “رابعة”، ولا نعرف هل ذلك إيحاء بشعار “الأخوان” الشهير، أم محاولة منهم لفرض رؤية دينية محددة في التاريخ والجغرافيا، أو لإبراز نبؤة قد تحقق ذاتها. غاب عن أولئك أن الملك سلمان كان واضحا وقاطعا في خطابين رسميين على مسمع ومرأى من العالم، بأنها رؤيته ومنهجه وساسته هي رؤية ومنهج وسياسة المؤسس لهذه الدولة الملك عبدالعزيز، إنتهى.  نص واضح لا مجال فيه للإعتساف أو الإختطاف أو الإصطفاف. لكن، مع إنطلاق “عاصفة الحزم” زاد التنظير السياسي وتم إستغلال تصريحات سياسية وتجييرها لرؤية محدودة، متناسين أن التصريح السياسي له أهداف متعددة ويحمل رسائل مختلفة، وما يحق للسياسي قوله في وقت الأزمات ليس بالضرورة منهج مستمر للدولة، وفي حالة الحرب يزداد الأمر تعقيدا.

جمع الملك سلمان، وفقه الله وأعانه، مجموعة خصال من كل من سبقه من ملوك السعودية بدءاً بالملك عبدالعزيز، مؤسس هذه الدولة، ومن الثابت أن سياسته وممارساته ستتسم بالحكمة فيما يعود على هذه الدولة بالخير لكي تكون مستقرة ومحترمة من الجميع دول ومنظمات ومجموعات وأفراد. الحكمة، يراها بعض الحكماء، أنها “الحذر”. وهي دراسة القضايا ومعرفة مآلاتها وعواقبها والبعد عن كل أمر ليس مضمون النتائج الإيجابية. الحكمة والمنهج “السلماني” هو الحزم وعدم تأخير الأمو والقضايا حتى تتفاقم، والحزم كان واضح وجلي في أسلوب الملك سلمان منذ توليه الحكم وليس قاصراً على مسمى العملية العسكرية “عاصفة الحزم”.

السياسة، علم وفن وقانون وتاريخ وجغرافيا وعلاقات وإدارة وحرب وقتال وخداع وأخلاق، مزيج من كل تلك السمات والمتضادات والمتناقضات أيضاً، وليست “كاش وكلاش” فقط كما يظن البعض. عندما يطغى عنصر من عناصر السياسة على الآخر تضطرب الأحوال. يقول مايكل هوارد المؤرخ السياسي الشهير، “يتنامى الشعور بالقوة حتى يصاب السياسي بالعمى، عندها يصبح كل شيء مفاجئا”. هذا ما قاد هتلر إلى الهلاك، شعوره بالقوة والمنعة بعد سنوات من الضعف والإستكانة فخرق الدين والعرف والقانون. شعر هتلر في لحظة ضعف بأن إمكانه إستعادة المنعة، فإستنهض وميز العنصر”الآري” وسوق تفوقه، ولذا إنتهك سيادة الدول، وعذّب اليهود. وكلنا يعرف ما آلِ إليه هتلر، وما لحق بألمانيا حينئذ، لكن أكثر المنغلقين لا يعقلون.

الملك سلمان يحكم السعودية التي تضم الحرمين الشريفين، وهو يعي ما يعني ذلك المصطلح تماماً، ولذا إتخذها صفة يتشرف بها. هل يعرف أولئك ماذا يعني ذلك؟ لا يعني ذلك أن تكون السعودية حاضنة لأهل السنة فقط، أو قائدة لجحافل “المسلمين” في الشرق والغرب، أو شرطي العالم. ماذا تعني إذاً؟ حسناً. الكعبة، ومكة، وبكة، وبيت الله الحرام، هي قبلة أتباع الرسالة المحمدية، لكنها في نفس الوقت، مثابة “للناس” وأمنا. كل أية قرآنية في التنزيل الحكيم حول موضوع متعلق بالبيت الحرام (الكعبة) ترتبط بمصطلح “الناس”، الذين هم كل ذكر وأنثى بكل تجمعاتهم كشعوب وقبائل. ماذا يعني هذا في علم السياسة الحديث؟ يعني أن السعودية هي دولة منفتحة على كل شعوب الأرض من دون تفريق في الملة او العرق أو اللون أو الجنس أو الجنسية أو المذهب أو الطائفة، ولكن أكثر المنغلقين لا يعلمون.

وجود الحرمين الشريفين في السعودية يربأ بهذه الدولة أن تدخل في أحلاف أو شعارات مستجدة تفرق أتباع الرسالات ناهيك عن أتباع الرسالة الواحدة. قلنا رسالات ولم نقل أديان، لأن هناك من العلماء من يؤكد أن لله دين واحد في الأرض فقط هو الإسلام ولأتباع الأنبياء والرسل جميعاً من نوح عليه السلام حتى محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. هذه هي السعودية في بعدها الإنساني والديني. أما البعد السياسي، فالسعودية هي دولة وطنية مدنية ولدت في العام ١٩٣٢م وإعترف بها العالم ولها مصالح إستراتيجية وحيوية وحساسة وهامشية، كأي دولة أخرى،  ولها أن تدافع عن مصالحها السياسية بما تراه مناسباً. كل من تختلف معه السعودية سياسيا يصبح خصماً، لكن ليس “عدو”، وهناك فرق بين المصطلحين لا يعرفه إلا الراسخون في علم السياسة. لو دخلت السعودية في أحلاف عربية محضة لتم تفسير ذلك بشكل مغاير لحقيقته، وكلنا يعرف ما تعنيه “القومجية”. ولو دخلت السعودية في تحالفات دينية لتم إستعدائها من أمم الأرض، وكلنا يعرف ما تعنيه الحروب الصليبية. أما لو دخلت السعودية تحالفات سنية لأشعلت بغضاء وكراهية وعداوة مع الأطياف والطوائف الأخرى. ولذا، فالسعودية هي الواحة الخضراء لكل البشر من كل الأعراق والجنسيات والرسالات والملل والطوائف والمذاهب، وهذه هي القوة الحقيقية الربانية للسعودية، ولكن أكثر المنغلقين لا يفقهون.

أخيراً، نتمنى أن تعود الأراضي المحتلة إلى الشعب الفلسطيني، وتعود الجزر التي تحتلها إيران إلى الإمارات، وأن يعود الأمن والسلام ربوع سوريا والعراق وليبيا، وأن تكف إيران وتركيا من اللعب في الفضاء والفكر في ديار العرب، وأن تستعيد الدولة الوطنية العربية قوتها بحوكمة أفضل لخير الشعوب بعيدا عن التحالفات المؤقتة الكاذبة. أما اليمن فالسعودية معنية بإستباب الأمن والإستقرار فيه، وبقية دول الجزيرة العربية بالوسائل التي تراها مناسبة. ختاماً، من نعم الله علينا أن قيض للسعودية حكاماً حكماء يعرفون قوتهم وقدراتهم ويحسنون قيادة سفينة هذه الدولة والمجتمع لبر الأمان.

مركز سعيد العمري الإستراتيجي
@Saudianalyst

الوسوم

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق