تقديم

يستعرض هذا البحث نبذة عن تاريخ فريق العتبان وهو أحد الأحياء الرئيسية لمدينة المبرز القديمة في الأحساء. حيث نبدأ بلمحة مختصرة عن مدينة المبرز وأحيائها، ثم التطرق لأقدم النصوص التاريخية المتوفرة والتي اختصت بذكر حي العتبان بالذات. وبعدها يتم الحديث عن التاريخ التقريبي لنشوء هذا الحي في المبرز وسبب تسميته وعلاقته بالعتبان أو آل عتيبة القبيلة المعروفة في عصرنا الحالي. ثم الحديث عن التعليم والمساجد القديمة به حسب المصادر والمعلومات المتوفرة.

٭ مدينة المبرز القديمة

الحقيقة أن الحديث عن مدينة المبرز وتاريخها بشكل واف لن تكفيه هذه الأسطر، فالمبرز وردت عند جميع المؤرخين تقريباً الذين تطرقوا لذكر الأحساء حيث أنها كانت إحدى المدينتين الوحيدتين في واحة الأحساء لعدة قرون مضت، بعد ضعف وانتهاء المدن القديمة (هجر والأحساء القديمة وغيرها). كما أن المبرز أصبحت في فترة من الفترات مركزاً لحكم الأحساء والمنطقة بأكملها مع مد النفوذ السياسي والاقتصادي على أجزاء واسعة من نجد، وذلك من عام 1080ه وهي بداية سيطرة براك بن غرير آل حميد على الأحساء إلى عام 1208ه وفيها سقوط حكمهم وبداية سيطرة الدولة السعودية الأولى.

أما عن نشأة المبرز فلم نطلع على نص تاريخي أو وثيقة توضح بالتحديد وقت وكيفية نشأة المدينة، لكن نستطيع القول إن المبرز كان اسم لجزء من الهضبة التي قامت عليها المدينة، وبها مواقع صخرية متعددة غير قابلة للزراعة. وبعض هذه المواقع كانت مقالع للأحجار، يبني بها أهل المبرز منازلهم. وقد كانت هذه البقعة في الماضي مكاناً لتجمع القوافل قبل انطلاقها ولذلك سميت المبرز لأن الناس كانوا يبرزون إليها قبل الانطلاق. وكان الشيخ محمد العبدالقادر قد ذكر أن تسمية المبرز أتت من بروز أهل الأحساء إليها قبل انطلاقهم للحج، وبالتالي فهذا الأمر شبه متفق عليه بين جميع أهالي المبرز. أما عن بداية التواجد السكني فنعتقد بأن المكونات الأساسية لمدينة المبرز ومدينة الهفوف أيضاً، إنما وجدت مع وجود قبيلة بني عُقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة الذين أطلق عليهم المؤرخون في عصرهم تسمية «عرب البحرين» أي بدوها، حيث كانت لهم السيطرة الواسعة على البادية في عهد الدولة العيونية (466 - 636ه)، حتى تصاهروا معهم لاحقاً وصار منهم أخوال لبعض حكام العيونيين، وبدأوا بامتلاك مزارع وبساتين النخيل وخوض البحر والسيطرة على بعض الجزر، فتحضر أغلبهم شيئاً فشيئاً على أطراف وداخل واحتي المنطقة (الأحساء والقطيف) كما حصل للقبائل التي سبقتهم. وكثير من تفاصيل هذه الأحداث مذكورة في قصائد وشرح ديوان الشاعر الأحسائي علي ابن المقرب العيوني (572 - 631ه). وكان من بني عقيل إمارتان حكمتا المنطقة بعد العيونيين وهما إمارة عصفور بن راشد آل عميرة وبنوه، وإمارة جروان المالكي وولده ناصر وحفيده إبراهيم(1). أما الجبريين (لجد لهم اسمه جبر العقيلي) فقد قدموا من نجد لاحقاً وكانوا يُنسبون إليها. لكن نرى بأن التأسيس الفعلي لهاتين المدينتين وتطويرهما ودعمهما لم يكن قبل حكم الجبريين والذين كانوا بحاجة لإنشاء حواضر يرتكزون عليها في حكمهم مقابل النفوذ الرئيسي آنذاك في واحة الأحساء والذي كان متركزاً في المناطق الشرقية منها، وهي مناطق مدينتي هجر والأحساء القديمتين. فتم التركيز على هاتين البقعتين وبناؤهما وتطويرهما وتوطين العديد من البدو والأسر النجدية الموالية لهم آنذاك. ومسجد الجبري في الهفوف ومسجد الجبري في المبرز هما تقريباً أقدم مسجدين معروفين في هاتين المدينتين وبناهما شخص اسمه سيف بن حسين الجبري حسب الوثائق المتوفرة(2) وهو بالتأكيد ليس سيف بن زامل الذي أسس حكمهم (بعد 820ه)، بل قد يكون أحد أحفاده، والذي قام بالتركيز على الهفوف والمبرز وتطويرهما. فأصبحت الهفوف والمبرز لاحقاً هما قصبتا الأحساء التي تحوي أجمل مبانيها وأكبر مساجدها ومدارسها الدينية التي أمّها ودرّس بها وعمل بالقضاء بها عدد من العلماء استقدمهم بنو جبر من عدة أماكن مختلفة، وظل منهم أسر علمية بارزة حتى وقت قريب مثل آل فيروز وغيرهم. ومما قاله السخاوي عن أجود بن زامل أبرز وأهم حاكم جبري: «قام أخوه سيف على آخر ولاة الجراونة بقايا القرامطة حين رام قتله وكان الظفر لسيف بحيث قتله وانتزع البلاد المشار إليها وملكها وسار فيها بالعدل فدان له أهلها ولما مات خلفه أخوه هذا بل اتسعت له مملكته بحيث ملك البحرين وعمان... وصار صرغل -ملك هرمز- يبذل له ما كان يبذل لأخيه أو أزيد وصار رئيس نجد ذا أتباع يزيدون على الوصف مع فروسية.... وله إلمام ببعض فروع المالكية واعتناء بتحصيل كتبهم بل استقر في قضائه ببعض أهل السنة منهم بعد أن كانوا شيعة وأقاموا الجمعة والجماعات وأكثر من الحج في اتباع كثيرين»(3). وتدقيق بسيط في لهجات أهل الأحساء يجعلنا نلاحظ الفرق الواضح بين لهجة أهالي الهفوف والمبرز، وبين اللهجة القديمة لأهالي القرى الشرقية وبلاد بن بطال وغيرها من المواقع الداخلية. ولا شك بأن التواجد الكثيف لبني عقيل في الأحساء سهّل المهمة كثيراً على الجبريين الذين تجمع بينهم روابط دم قديمة، وإن وجدت اختلافات مذهبية. وفي قصيدة نبطية لراشد الخلاوي يتحدث فيها عن منيع بن سالم أحد أمراء بني جبر يقول:

فلولا منيع سور هجر وبابها

وابنا عقيل عصبةٍ من قرايبه(4)

ونعتقد بأن في عهد بني جبر بدأ نفوذ الشرق بالضعف شيئاً فشيئاً، لكن بقي لهم شوكة قوية حتى وقت قريب جداً كما كانوا يشكلون نفوذا اقتصادياً لا يستهان به. وفي قصيدة نبطية أخرى تُخاطب، مجرن بن قضيب أحد أمراء بني جبر، يقول صاحبها:

وان كان تبغي حكم هجر صادق

اضرب بحد السيف روس رجالها

اجعل قديمي في محل مقدم

واهل الشروقات استعن باموالها(5)

والشروقات كلمة يقصد بها أهالي القرى الشرقية وما زالت متداولة لدى أهالي المبرز حتى يومنا هذا. والقديمي نسبة لبني قُديمة وهم القديمات المسمى باسمهم أحد أحياء المبرز كما سيأتي. هذا والقرى الشرقية بها عوائل كثيرة من أصول بدوية أو حضرية نجدية، والتي توافدت على الأحساء في مراحل وظروف مختلفة، وكذلك في الهفوف والمبرز عوائل كثيرة من أصول شرقية. وما ذكرناه عن التوطن البدوي والنجدي في الهفوف والمبرز واختلاف اللهجات لا نعني به اختلاف جذري في الأصول والعادات والتقاليد بل نعني به من الناحية السيسيولوجية أن لكل من هؤلاء كتلة اجتماعية مختلفة عن الأخرى في زمن التأسيس والاستقرار، ولم يحدث بينها اندماج حقيقي في السابق، وإلا لكانت اللهجة قد توحدت أو تقاربت لحد كبير، حسب نظريات علم الاجتماع. وقد كان الوافدون من خارج الأحساء يندمجون في الكتلة التي يحلون بها (مكان إقامتهم الجديد) ويذوبون مع أهاليها في لهجتهم ومذهبهم الديني حتى ولو بعد جيل أو جيلين. علماً بان أماكن عديدة في الأحساء هي مختلطة المذاهب وأهمها مدينة المبرز نفسها. والأمر الوحيد الذي كان يُظهر بعض التباين الطبقي هو عملية المصاهرة فقط لا غير، حيث بقي هذا الأمر يشكل حساسية كبيرة إلى وقت قريب جداً، سواء في المدن أو القرى، وسواء عند السنة أو الشيعة.

٭ الأحياء (الفرجان)

1/ فريق العيوني. اعتبر العبدالقادر أن لهذا الحي ارتباطا بالعيونيين أمراء الدولة العيونية في بلاد البحرين. والحقيقة أن ربط هذا الحي بالعيونيين لا نرى ما يدعمه على هذا النحو الجازم. فلقب العيوني يمكن أن يطلق على أي شخص انتقل من منطقة العيون شمال الأحساء، بل حتى أسرة آل إبراهيم التي أسست الدولة العيونية إنما أطلق عليهم العيونيين لأن أجدادهم كانوا يسكنون العيون قبل انتقالهم إلى مدينة الأحساء القديمة في عهد القرامطة، وكان منهم بشر بن مفلح العيوني أحد قادة جيوش القرامطة. وحي العيوني كان يشمل مواقع ذات تسميات قديمة مثل السودان والجحاحفة وغيرهما، ولعل مسمى العيوني شمل هذه المواقع لاحقاً. والجحاحفة هم آل جحّاف بن غفيلة، من عقيل بني عامر أيضاً، وذكروا عدة مرات في شرح ديوان ابن المقرب، ومن أبياته:

تتلوهم آل جحّاف وما ولدت

أم عجرّش مثل الجرب طلينا

وقوله:

لما أتت أهل القطيف بجحفل

متوقد كتوقد النيران

في آل جحّاف وآل شبانة

مثل الأسود بحافتي خفان(6)

وبعض كبار السن مازالوا يعرفون موقع الجحاحفة شمال حي العيوني. أقول ولعل الجحاحفة في الماضي كانت تشمل قلب العيوني والتي بها مسجد الجبري، وقد يكون للجحاحفة في الماضي تجمع سكني في هذا الموقع عرف باسمهم قبل تأسيس المدينة، كما كان ذلك أيضاً في موقع معروف بنفس الاسم في مدينة الهفوف، فاندمجت هذه التجمعات بعناصر هاتين المدينتين. وعن تسمية العيوني فهناك رواية شفوية أخرى سمعناها وكنا قد تطرقنا لها في كتابات سابقة(7)، وفي جميع الأحوال تبقى تلك الآراء أو هذه الروايات بحاجة لبحث وتحليل، فنحن هنا لا ننفي أو نثبت شيئا.

2/ فريق القُديمات (الجديمات باللهجة المحلية)، والقديمات هم بنو قديمة بن نباتة، أحد بطون عقيل أيضاً ومنهم آل جحاف المذكورين سابقاً. ذكرهم بعض النسابين كالقلقشندي في قلائد الجمان نقلاً عن الحمداني، وذكروا أيضاً عدة مرات في شرح ديوان ابن المقرب. ومما جاء عنهم في شعره قوله:

فكفى لكم بقُديمة ومُقدّم

وعبدلٍ والنكد من حرثان

وبجعفر وبمسلم ومطرّف

ويزيد والأحلاف والبدوان(8)

ومقدم هم نفس المذكورين في الأبيات النبطية السابقة، ولكن بعد أن توطنوا واحة الأحساء وأصبحوا من أهاليها، بينما ابن المقرب هنا يتحدث عنهم كبدو كانوا يهاجمون الأحساء آنذاك، وكذلك باقي الأسماء كلها لفروع عقيلية كانت تجول في بوادي المنطقة مع أحلاف لهم من البدو.

3/ فريق المُقابل (المجابل باللهجة المحلية). والبعض اليوم يعتقد بأن التسمية جاءت من المقابلة والتقابل، وهذا ليس صحيحا. فالمقابل هي جمع مقبل (مجبل)، وآل مقبل هؤلاء هم أيضاً من بني عقيل، والبعض يقول عنهم خوالد. وقد ذكر لنا الأستاذ صالح بن عبدالوهاب الموسى أن لآل مقبل هؤلاء حجج شرعية وأوقاف مازالت تحمل اسمهم حتى اليوم، وقد ذكر ذلك لاحقاً في كتابه «مجد الأجداد»(9).

4/ فريق الشَعَبة، بفتح العين، وهو غير قرية الشعْبة بسكون العين، حيث هناك من خارج الأحساء من يخلط بينهما عند القراءة. وهذا الحي كان أحد المراكز الصناعية الهامة في الأحساء، ويبدو لي أنه حديث نسبياً حيث أن أجزاء كثيرة منه كانت إلى وقت قريب عبارة عن مزارع وبساتين، كما أن كثيرا من سكانه أهل الصناعة والحرف اليدوية انتقلوا أساساً من الهفوف أو من أحياء المبرز الأخرى قبل حوالي 200 إلى 250 سنة. لكن في نفس الوقت أخبرني الأستاذ الموسى أيضاً أن هناك حديثا عن وجود عائلة كانت تحمل هذا الاسم (الشعَبة) وأن هذا الحي قديم وليس حديثاً كما يُعتقد.

(للبحث صلة)