منذ تأسيس المملكة العربية السعودية على يد المغفور له - بإذن الله - الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، والمملكة تسير في سياستها الخارجية عامة، وتجاه القضية الفلسطينية خاصة، في نطاق أخلاقي أملاه عليها دينها الإسلامي، وثقافتها العربية، واستشعارها لأهميتها وثقلها على الصعيد العربي والإسلامي والدولي.

وورث الأبناء الملوك عن المؤسس - رحمه الله - صفات القائد الهمام، والنبيل الملهم، وصفات القيادة السعودية التي تعتبر القضية الفلسطينية منذ ميلاد المملكة قضيتها الأولى بامتياز..

هذا ما جاء في دراسة للدكتور صائب عريقات، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية - رحمه الله -، كان مقرراً إلقاؤها في مهرجان الجنادرية، والذي جرى تأجيله بسبب جائحة كورونا، واليوم «الرياض» تنفرد بنشر هذه الدراسة تحت عنوان: (فلسطين والسياسة الخارجية السعودية - ثوابت وتوازن) بالتنسيق مع سفارة دولة فلسطين.

لا أريد لهذه الدراسة أن تسرد ما قامت به المملكة العربية السعودية وما تقوم به من جهود من أجل القضية الفلسطينية في مختلف المجالات السياسية والدبلوماسية إقليمياً وقارياً ودولياً.

هذه الدراسة أيضاً لن تركز على ما قدمته المملكة العربية من مساعدات مالية للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني على الرغم من القيمة العظيمة لحجم المساعدات ولأهميتها بالنسبة للشعب الفلسطيني، فالقضية الفلسطينية كانت ومنذ ميلاد المملكة العربية السعودية قضيتها الأولى بامتياز، كانت وما زالت قضية سعودية داخلية، على أساسها تحدد العلاقات الإقليمية والدولية.

أريد لهذه الدراسة أن تبيّن وتحدد كيف كانت القضية الفلسطينية نقطة الارتكاز في السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية، فكانت بمثابة العامل الثابت وركيزة التوازن لعلاقات المملكة السعودية الخارجية.

سنحاول تبيان ذلك عبر دراسة معمقة تشمل:

أولاً: القضية الفلسطينية، قبل إنشاء دولة إسرائيل عام 1948م.

ثانياً: فلسطين والسعودية ما بعد النكبة 1948م إلى حرب 1973م.

ثالثاً: فلسطين والسعودية ما بعد حرب 1973م إلى اتفاق أوسلو 1993م.

رابعاً: فلسطين والسعودية ميلاد السلطة الوطنية الفلسطينية وحتى نهاية عام 2014م.

الملك عبدالعزيز رفض سياسة الإغراءات لمخالفتها مبادئه السياسية والدينية

أولاً: القضية الفلسطينية والسعودية

قبل إقامة دولة إسرائيل 1948م

إن بناء ونشأة ووحدة السعودية واستقرارها كان المحور الرئيس في سياسة الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله.

ولقد تعامل الملك عبدالعزيز - رحمه الله - مع كافة القوى داخلياً وخارجياً، إذ أدرك منذ البداية أن لغة المصالح كانت تمثل القاعدة الرئيسة للعلاقات الدولية، إضافة لكونها الأساس المنظم للعلاقات بين أبناء المملكة العربية السعودية ونظام الحكم فيها.

كانت بريطانيا العظمى صاحبة وعد بلفور المشؤوم عام 1917م، الذي دعا لبناء وطن قومي لليهود في فلسطين مع الحفاظ على الحقوق الدينية والمدنية للأقليات غير اليهودية في فلسطين.

اليهود الذين كانوا يشكلون 8 ٪ من سكان فلسطين عام 1917م منحتهم بريطانيا الحق في وطن قومي في فلسطين، فيما أعلنت بكل جبروت وظلم بأن الـ 92 ٪ من السكان العرب في فلسطين سيكون لهم حقوق مدنية ودينية، هذا المبدأ الذي ما زال يشكل نقطة ارتكاز لمفهوم إسرائيل للسلام إلى يومنا هذا.

لقد رفض الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - هذا الطرح البريطاني، حيث شكل الدين الإسلامي المصدر الرئيس لكيفية صناعة القرار، وبذلك رفض أن يتخلى عن أراضٍ عربية إسلامية لمجموعات من الناس من غير الدين الإسلامي، حيث إن هذا كان مخالفاً لمبادئه السياسية والدينية (1).

انطلاقاً من رفضه للسياسة الخارجية البريطانية تجاه فلسطين، سعى الملك عبدالعزيز - رحمه الله - إلى إقامة علاقات مع قوى دولية أخرى كالولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، ومما لا شك فيه أنه كان يدرك حجم المخاطر التي قد تترتب على ذلك على سعيه لبناء ونشأة المملكة العربية السعودية.

1- العلاقات السعودية - الألمانية:

كانت فلسطين نقطة الخلاف الرئيسة بين الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وبريطانيا، وكان ذلك واضحاً في المفاوضات التي تمت بين الجانبين والتي أدت إلى معاهدة جدة في 20 مايو 1997م (2).

ألمانيا بالنسبة للعرب آنذاك دولة كانت تعتبر صديقة، وعلى خلاف فرنسا وبريطانيا لم تقم باستعمار أي بلاد عربية، وأعتقد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - أن بناء علاقات قوية مع ألمانيا سوف يشكل له سنداً حقيقياً في الدفاع عن مواقفه ومصالحه، وخاصة مواقفه الرافضة لإقامة وطن لليهود في فلسطين، فبدأ مفاوضات مع ألمانيا أدت إلى توقيع اتفاق صداقة وتعاون في تاريخ 26 أبريل 1929م، وتمت المصادقة على ذلك في شهر نوفمبر 1930م (3).

في مطلع الثلاثينات من القرن الماضي شهدت فلسطين تدهوراً في أوضاعها، تمثل بزيادة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومحاولة الحركة الصهيونية الاستيلاء على حائط البراق الشريف، مما أدى إلى عقد المؤتمر الإسلامي في القدس عام 1933م، وقيام حركات فلسطينية مسلحة للدفاع عن فلسطين مثل عصبة الشيخ عز الدين القسام، وكذلك الإضراب الفلسطيني العظيم عام 1936م، وكذلك الجهود العظيمة التي بذلها مفتي فلسطين آنذاك الحاج أمين الحسيني والتي توجت بالجهاد المقدس للحفاظ على فلسطين.

لم يتأخر الملك عبدالعزيز آل سعود في تقديم الدعم للشعب الفلسطيني في مواجهة المخططات الصهيونية البريطانية في فلسطين، ولعل قصيدة الشاعر الفلسطيني الكبير عبدالرحيم محمود أمام الأمير سعود أثناء زيارته لفلسطين عام 1935م، لأدق دليل على تطلع الحركة الوطنية الفلسطينية لدعم الأشقاء في السعودية إذ قال:

يا ذا الأمير أمام عينيك شاعر

ضمت على الشكوى المريرة أضلعه

المسجد الأقصى أجئت تزوره

أم جئت من قبل الضياع تودعه

في تلك الفترة عاشت ألمانيا ظروفاً عصيبة، أبرزها الأزمة الاقتصادية العالمية والصراعات الداخلية المريرة التي أدت إلى وصول أدولف هتلر إلى سدة الحكم في ألمانيا عام 1933م.

بعد ذلك حاول الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - توثيق علاقات بلاده مع ألمانيا، حيث أرسل طبيبه الخاص الدكتور مدحت شيخ الأرض عام 1937م إلى برلين، وذلك لاستجلاء مواقف ألمانيا من إمكانية بيع أسلحة للسعودية، وكذلك بالنسبة للموقف الألماني تجاه فلسطين.

وفي نوفمبر عام 1937م أيضاً التقى الشيخ يوسف ياسين - السكرتير الخاص للملك عبدالعزيز آل سعود بالمبعوث والمفوض الألماني في بغداد فرتس غروبا (F. Groba)، وتبيّن وثائق وزارة الخارجية الألمانية أن الحديث بينهما ارتكز على محاولة السعودية معرفة موقف ألمانيا من تقرير لجنة (بيل) البريطانية الذي اقترح تقسيم فلسطين، والذي رفضه الملك عبدالعزيز جملة وتفصيلاً.

موقف ألمانيا من تقرير لجنة (بيل) تم تحديده في رسالة بعثها وزير خارجية ألمانيا آنذاك فون نويراث (Von Neurath) إلى القنصل الألماني في القدس دوليه (Dohle) وإلى المبعوث الألماني في بغداد غروبا (Groba) في الأول من شهر يونيو 1937م، جاء فيها: «إن الموقف الألماني من إمكانية قيام دولة يهودية في فلسطين تحت الانتداب البريطاني لا يتفق والمصالح الألمانية، وأن ألمانيا ترغب في تقوية الموقف العربي ليبقى ثقله متوازناً مع نمو الثقل اليهودي». (4).

أعرب الملك عبدالعزيز - رحمه الله - عن ارتياحه وتقديره من الموقف الألماني، ونقل مبعوثه الخاص الشيخ يوسف ياسين موقفه إلى المبعوث الألماني (غروبا):

«إن موقف السعودية ومصر وسورية والعراق واليمن يرفض تقرير لجنة (بيل) الإنجليزية لتقسيم فلسطين، ونحن لدينا موقف صديق من بريطانيا مع استثناء ما تشكله القضية الفلسطينية من أوجه خلاف وتباعد بين الطرفين العربي والبريطاني» (5).

وتؤكد وثائق وزارة الخارجية الألمانية أن الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وضع القضية الفلسطينية ورفضه مشروع التقسيم كنقطة ارتكاز لسياسته الخارجية، وذهب إلى أبعد الحدود حين سعى للحصول على سلاح من ألمانيا لإرساله للمجاهدين في فلسطين.

مما لا شك فيه أن الملك عبدالعزيز - رحمه الله - كان يدرك أن بريطانيا قادرة على التلاعب بأمن واستقرار السعودية من خلال إثارة القلاقل والمشكلات، ومع ذلك وخلافاً لكل ما كتب أو قيل عن العلاقات السعودية - البريطانية وتحديداً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، يتضح لنا أن الملك عبدالعزيز - رحمه الله - كان على استعداد إلى الذهاب إلى أبعد الحدود دفاعاً عن عروبة فلسطين في رفضه قرار التقسيم، مما يؤكد أن القضية الفلسطينية كانت ثابتاً رئيساً في السياسة الخارجية السعودية منذ أن كانت القضية الفلسطينية ومنذ نشأة المملكة العربية السعودية.

وثائق وزارة الخارجية الألمانية أوضحت أن الملك عبدالعزيز بن سعود - رحمه الله - كان زعيماً عربياً مسلماً، اختار أن تكون فلسطين قضيته الأولى، ونسج علاقات شخصية مميزة مع أركان الحركة الوطنية الفلسطينية وفي طليعتهم مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني - رحمه الله -.

2 - العلاقات السعودية - الأمريكية:

أ - لقاء الملك عبدالعزيز وروزفلت:

أدرك الملك عبدالعزيز آل سعود أن حلفاء الحرب العالمية الثانية أمريكا، بريطانيا، الاتحاد السوفياتي، يحضِّرون لعالم ما بعد الحرب، ومما لا شك فيه فإن الملك السعودي كان على يقين تام بأن البلاد العربية سيكون لها نصيب كبير في هذه النقاشات، وخصوصاً فلسطين، وتحديداً إصرار بريطانيا على تنفيذ وعد بلفور في فلسطين كونها سلطة الانتداب على فلسطين.

خلافاً للموقف الألماني حول وعد بلفور المشؤوم وتقسيم فلسطين فإن الموقف الأمريكي بالنسبة لفلسطين كان مؤيداً للموقف البريطاني في عام 1922م، أعلن الكونجرس الأمريكي:

«تحبذ الولايات المتحدة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين مع أنه من المفهوم أنه لا يتوجب القيام بأي عمل من شأنه المساس بالحقوق المدنية والدينية للمسيحيين والمجموعات غير اليهودية في فلسطين، وأن تكون هناك حماية مناسبة للأماكن المقدسة والمباني والمناطق الدينية في فلسطين». (6).

الحركة الصهيونية كانت تعتمد على بريطانيا، إلاّ أن اعتمادها على التأييد الأمريكي بدأ ينمو خلال الثلاثينات من القرن الماضي، حيث بدأ يتضح لبريطانيا أن سياستها في فلسطين وتأييدها الكامل للحركة الصهيونية سوف يؤدي إلى إيذاء المصالح العربية ومعاداة الشعوب العربية، خصوصاً في ضوء رفض العرب وتحديداً السعودية ومصر لتقرير لجنة (بيل) لتقسيم فلسطين عام 1937م.

في نفس الوقت بدأ اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط يتعاظم، وخاصة وأن شركات النفط الأمريكية حصلت على نسبة الربع من شركة بترول العراق (I.P.C) عام 1922م، كذلك على امتيازات للتنقيب عن النفط في السعودية والبحرين عام 1938م (7).

بدأت العلاقات الأمريكية والسعودية بشكل رسمي حين قررت الولايات المتحدة الأمريكية إرسال أول دبلوماسي أمريكي للإقامة في جدة عام 1942م، وكان جيمس موس هو أول دبلوماسي أمريكي مقيم في السعودية.

في عام 1943م وإدراكاً منه لتعاظم دور أمريكا في العلاقات الدولية أرسل الملك عبدالعزيز ابنيه الأمير فيصل وخالد إلى واشنطن لمقابلة الرئيس فرانكلين روزفلت، بعد أن اعتذر عن تلبية دعوة زيارة واشنطن.

روزفلت أراد أن يعزز العلاقات السعودية لأنه يريد موافقتها لعبور الطائرات العسكرية الأمريكية أجواءها بين الهند ومصر وإيران واستعمال مطار الظهران، بالإضافة إلى تعزيز دور الشركات النفطية الأمريكية في السعودية.

أول لقاء بين الملك عبدالعزيز والرئيس روزفلت تم يوم 14 فبراير 1945م على ظهر السفينة الحربية الأمريكية كوينسي في البحيرات المرة في مصر.

ولعل أهم وأدق ما كتب حول هذا اللقاء ما جاء في كتاب الكولونيل ويليام إيدي الذي كان شاهد عيان على اللقاء في كتاب أصدره عام 1954م (8)، تحت عنوان فرانك روزفلت يقابل ابن سعود، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية يقول إيدي:

«بعد النقاش حول تطورات الحرب وأن ألمانيا سوف تهزم، قال روزفلت للملك لدي مشكلة وأريد نصيحتك حول كيفية التعامل مع اللاجئين اليهود الذين عانوا كثيراً على أيدي النازيين»، فرد الملك عبدالعزيز بشكل فوري: «إن على اليهود أن يعودوا للعيش في البلاد التي أخرجوا منها، أما بالنسبة لليهود الذي دمرت مساكنهم بالكامل وليست لديهم فرصة للعيش في أوطانهم، فيجب أن يعطوا مساحة للعيش في دول المحور التي اضطهدتهم».. فرد روزفلت: «إن اليهود يعارضون ويخشون العودة إلى ألمانيا ويعبرون عن رغبة وجدانية للذهاب إلى فلسطين».

فرد الملك: «لدى اليهود أسباب حقيقية لعدم الثقة بالألمان، ولكن الحلفاء سوف يدمرون القوة النازية، وسيكون لهم القوة لحماية اليهود، وإذا لم يتوقع الحلفاء السيطرة على ألمانيا بعد الحرب فلماذا يخوضون الحرب؟».

أجاب روزفلت:

«أنا أعتمد على حسن الضيافة عند العرب وعلى دعم الملك لحل المشكلة الصهيونية».

لكن الملك رد بقوة:

دع العدو والمضطهد يدفعان التعويض يجب أن يكون من المعتدي وليس من البريء، ما هو الجرح الذي سببه العرب لليهود في أوروبا؟ المسيحيون والألمان هم من سرقوا منازلهم ودمروا حياتهم، يجب أن يدفع الألمان».

الملك عبدالعزيز كان واضحاً محدداً بشأن فلسطين ورفضه المطلق السماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين أو إقامة وطن لهم هناك.

إضافة إلى قوله: إن العرب سيختارون الموت بدلاً من تسليم أراضيهم.

في نفس الوقت طلب الملك عبدالعزيز مساعدة أمريكا لبلاده، وأن رغبته الأولى كانت تتمثل باستقلال شعبه وبلاده(9).

ب - رسالة الملك عبدالعزيز لروزفلت، ورد روزفلت:

بعد شهر من اللقاء الذي جمعه مع الرئيس الأمريكي روزفلت، بعث الملك عبدالعزيز إلى الرئيس روزفلت رسالة في تاريخ 10 فبراير 1945م جاء فيها:

«من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود - ملك المملكة العربية السعودية إلى حضرة صاحب الفخامة المستر روزفلت - رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأفخم:

يا صاحب الفخامة:

إنها لفرصة سعيدة أنتهزها لأشارككم السرور في انتصار المبادئ التي أعلنت الحرب من أجل نصرتها، ولأذكر الشخصيات العظيمة التي بيدها - بعد الله - تصريف مقاليد نظام العالم بحق صريح قائم منذ عرف التاريخ، ويراد الآن القضاء على هذا الحق بظلم لم يسجل له التاريخ مثيلاً ولا نظيراً.

ذلك هو حق العرب في فلسطين الذي يريد دعاة اليهودية الصهيونية غمطه وإزالته بشتى وسائلهم التي اخترعوها وبيتوها، وعملوا لها في أنحاء العالم من الدعايات الكاذبة، وعملوا في فلسطين من المظالم، وأعدوا للعدوان على العرب ما أعدوا مما علم بعضه الناس، وبقي الكثير منه تحت طي الخفاء، وهم يعدون العدة لخلق شكل نازي فاشستي بين سمع الديمقراطية وبصرها في وسط بلاد العرب، بل في قلب بلاد العرب، وفي قلب الشرق الذي أخلص العمل لقضية الحلفاء في هذه الظروف الحرجة.

إن حق الحياة لكل شعب في موطنه الذي يعيش فيه حق طبيعي ضمنته الحقوق الطبيعية وأقرتها مبادئ الإنسانية وأعلنها الحلفاء في ميثاق الأطلنطي وفي مناسبات متعددة، والحق الطبيعي للعرب في فلسطين لا يحتاج لبيانات، فقد ذكرت غير مرة لفخامة الرئيس روزفلت وللحكومة البريطانية في عدة مناسبات أن العرب هم سكان فلسطين منذ أقدم عصور التاريخ، وكانوا سادتها، والأكثرية الساحقة فيها في كل العصور، وإننا نشير إشارة موجزة إلى هذا التاريخ القديم والحديث لفلسطين حتى اليوم ليتبين أن دعوى الصهيونية في فلسطين لا تقوم على أساس تاريخي صحيح.

المملكة أُسست على مرتكزات الدين الإسلامي الحنيف ورفض الاستيلاء على أراضي المسلمين

يبتدئ تاريخ فلسطين المعروف من سنة 3500 قبل الميلاد، وأول من توطن فيها الكنعانيون وهي قبيلة عربية نزحت من جزيرة العرب، وكانت مساكنهم الأولى في منخفضات الأرض، ولذلك سموا كنعانيين، وفي سنة 2000 قبل الميلاد هاجر من العراق (أور الكلدانيين) بقيادة النبي إبراهيم فريق من اليهود وأقاموا في فلسطين، ثم هاجروا إلى مصر بسبب المجاعات، حيث استعبدهم الفراعنة، وقد ظل اليهود مشردين فيها إلى أن أنقذهم النبي موسى من غربتهم، وعاد بهم إلى أرض كنعان، عن طريق الجنوب الشرقي في زمن رمسيس الثاني الموافق سنة 1250 أو ابنه منفتاح سنة 1225 قبل الميلاد.

وإذا سلمنا بنص التوراة نجد أن قائد اليهود الذي فتح فلسطين كان يشوع بن نون وهو الذي عبر بجيشه واحتل مدينة أريحا من الكنعانيين بقسوة شديدة ووحشية يدل عليها قوله لجيشه: «احرقوا كل ما في المدينة، واقتلوا كل رجل وامرأة وكل طفل وشيخ حتى البقر والغنم بحد السيف، وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما فيها» يشوع 16 - 21 - 24، وقد انقسم اليهود بعد ذلك إلى مملكتين، مملكة إسرائيل وقصبتها السامرة (نابلس) وقد دامت 250 سنة ثم سقطت في يد شلمناصر ملك آشور سنة 722 قبل الميلاد وسبى شعبها إلى مملكته.

ثم مملكة يهودا وقصبتها أورشليم (القدس) وقد دامت 130 سنة بعد انقراض مملكة بني إسرائيل، ثم أبيدت بيد نبوخذ ناصر ملك بابل الذي أحرق المدينة والهيكل بالنار وسبى الشعب إلى بابل سنة 580 قبل الميلاد. ودام السبي البابلي مدة 70 سنة، ثم رجع اليهود إلى فلسطين بأمر كورش ملك الفرس.

ثم تلا ذلك الفتح اليوناني بقيادة إسكندر المقدوني سنة 332 قبل الميلاد، ودام حكمه في فلسطين مدة 272 سنة، وجاء بعده الفتح الروماني سنة 63 قبل الميلاد بقيادة بومبي، ودام حكم الرومان في فلسطين مدة 700 سنة.

وفي سنة 637 ميلادية احتل العرب فلسطين ودام حكمهم فيها مدة 880 سنة متواصلة، وكانت وصية الخليفة للفاتح «لا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلو ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً ولا شيخاً كبيراً ولا تعقوا نخلاً وتحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً وسوف تمرون بأناس قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له»، وقد ذكر هذا ابن الأثير المؤرخ المشهور.

ثم انتقل الحكم في فلسطين إلى الأتراك سنة 1517م في زمن السلطان سليم الأول، وظلت فلسطين في حوزتهم مدة 400 سنة، وكان العرب سكانها وكانوا شركاء مع الأتراك في حكمها وإدارتها، وفي سنة 1918م احتلها البريطانيون ولا يزالون فيها إلى الآن.

ذلك تاريخ فلسطين العربية يدل على أن العرب أول سكان سكنوها منذ ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد واستمر سكناهم فيها بعد الميلاد إلى اليوم، حكموها وحدهم ومع الأتراك ألفاً وثلاثمائة سنة تقريباً.

أما اليهود فلم تتجاوز مدة حكمهم المتقطع فيها 380 سنة، وكلها إقامات متفرقة مشوشة، ومن سنة 332 قبل الميلاد لم يكن لليهود في فلسطين أي وجود أو حكم إلى أن دخلت القوات البريطانية فلسطين سنة 1918م، ومعنى ذلك أن اليهود منذ ألفين ومائتي سنة لم يكن لهم في فلسطين عدد ولا نفوذ، ولما دخل البريطانيون في فلسطين لم يكن عدد اليهود يزيد على ثمانين ألفاً كانوا يعيشون في رغد وهناء ورخاء مع سكان البلاد الأصليين من العرب، ولذلك فاليهود لم يكونوا إلا دخلاء على فلسطين في حقبة متفرقة من الزمن ثم أخرجوا منها منذ أكثر من ألفي سنة.

أما الحقوق الثابتة للعرب في فلسطين فتستند:

1) على حق الوجود الذي استمرت مدته منذ سنة 3500 قبل الميلاد، ولم يخرجوا عنها في يوم من الأيام.

2) وعلى الحق الطبيعي في الحياة.

3) ولوجود بلادهم المقدسة فيها.

4) ليس العرب دخلاء على فلسطين ولا يراد جلب أحد منهم من أطراف المعمورة لإسكانهم فيها.

أما اليهود فإن دعواهم التاريخية هي مغالطة، ثم إن حكمهم القصير في فترات متقطعة كما ذكرنا لا يعطيهم أي حق في ادعائهم أنهم أصحاب البلاد، لأن احتلال بلد ما ثم الخروج منه لا يخوّل أي شعب ادعاءه ملكية تلك البلد والمطالبة بذلك، وتاريخ العالم مملوء بمثل هذه الأمثال.

إن حلّ قضية اليهود المضطهدين في العالم تختلف عن قضية الصهيونية الحائرة، فإن إيجاد أماكن لليهود المشتتين يمكن أن يتعاون عليها جميع العالم، وفلسطين قد تحمّلت قسطاً فوق طاقتها، وأما نقل هؤلاء المشتتين ووضعهم في بلاد آهلة بسكانها والقضاء على أهلها الأصليين فأمر لا مثيل له في التاريخ البشري.

الملك عبدالعزيز لروزفلت عن فلسطين: العرب سيختارون الموت بدلاً من تسليم أراضيهم

وإننا نوضح بصراحة ووضوح أن مساعدة الصهيونية في فلسطين لا يعني خطراً يهدد فلسطين وحدها فحسب بل إنه خطر يهدد سائر البلاد العربية، وقد أقام الصهيونيون الحجة الناصعة على ما ينوونه في فلسطين وفي سائر البلاد المجاورة، فقاموا بتشكيلات عسكرية سرية خطيرة، ومن خطأ القول أن يقال إن هذا عمل شرذمة متطرفة منهم وإن ذلك قوبل باستنكار من جمعياتهم وهيئاتهم، وإنا نقول إن أعمال الصهيونيين في فلسطين وفي خارجها صادرة عن برنامج متفق عليه ومَرْضِيّ عنه من سائر اليهودية الصهيونية، وقد بدأ هؤلاء أعمالهم المنكرة في الإساءة للحكومة التي أحسنت إليهم وآوتهم - وهي الحكومة البريطانية - فأعلنت جمعياتهم الحرب على بريطانيا، وأسست لذلك تشكيلات عسكرية خطيرة تملك في فلسطين في الوقت الحاضر كل ما تحتاجه من الأسلحة والمعدات الحربية، ثم قام أفراد بشتى الاعتداءات وكان من أفظعها الاعتداء على الرجل الفذ الذي كان ممتلئاً بالحب والخير لصالح المجتمع، وكان من أشد من يعطف على اليهودية المضطهدة وهو اللورد موين، ومما يدل على أن فعلتهم المنكرة كانت مؤيدة من مجموع اليهود هي المظاهر والمساعي التي قام بها رجال الصهيونية في كل مكان في طلب تخفيف العقوبة عن المجرمين ليجرؤوا على أمثالها.

فهذه أفعالهم مع الحكومة التي أحسنت إليهم كل الإحسان فكيف يكون الحال لو مكنوا من أغراضهم، وأصبحت فلسطين بلداً خالصة لهم يفعلون فيها وفي جوارها ما يريدون؟

لو ترك الأمر بين العرب وبين هؤلاء المعتدين ربما هان الأمر، ولكنهم محميون من قبل الحكومة البريطانية صديقة العرب، فاليهودية الصهيونية لم تُراعِ حرمة هذه الحماية، بل قامت بتدبير حبائل الشر، وبدأتها ببريطانيا، وأنذرت العرب بعد بريطانيا بمثلها وأشد منها، فإذا كانت الحكومات المتحالفة التي تشعر العرب بصداقتها تريد أن تشعل نار الحرب والدماء بين العرب واليهودية فإن تأييد الصهيونية سيوصل إلى هذه النتائج، وإن أخشى ما تخشاه البلاد العربية من الصهيونية هو:

1) أنهم سيقومون بسلسلة من المذابح بينهم وبين العرب.

2) ستكون اليهودية الصهيونية من أكبر العوامل في إفساد ما بين العرب والحلفاء، وأقرب دليل على ذلك قضية اليهوديين في مقتل اللورد موين في مصر، فقد قدر اليهود أن يختفي فاعلو الجريمة فيقع الخلاف بين الحكومة البريطانية ومصر.

3) أن مطامع اليهود ليست في فلسطين وحدها، فإن ما أعدوه من العدة يدل على أنهم ينوون العدوان على ما جاورها من البلدان العربية.

4) لو تصورنا استقلال اليهود في مكان ما في فلسطين فما الذي يمنعهم عن الاتفاق مع أي جهة قد تكون معادية للحلفاء ومعادية للعرب وهم قد بدؤوا بعدوانهم على بريطانيا بينما هم تحت حمايتها ورحمتها.

لا شك أن هذه أمور ينبغي أخذها بعين الاعتبار في إقرار السلم في العالم عندما ينظر في قضية فلسطين.

فضلاً عن أن حشد اليهود في فلسطين لا يستند إلى حجة تاريخية ولا إلى حق طبيعي وأنه ظلم مطلق، فهو في نفس الوقت يشكل خطراً على السلم وعلى العرب وعلى الشرق الأوسط.

وصفوة القول إن تكوين دولة يهودية بفلسطين سيكون ضربة قاضية لكيان العرب، ومهدداً للسلم باستمرار، لأنه لا بدّ وأن يسود الاضطراب بين اليهود والعرب، فإذا نفد صبر العرب يوماً من الأيام ويئسوا من مستقبلهم فإنهم يضطرون للدفاع عن أنفسهم وعن أجيالهم المقبلة إزاء هذا العدوان، وهذا بلا شك لم يخطر على بال الحلفاء العاملين على سيادة السلم واحترام الحقوق ولا نشك بأنهم لا يرضون هذه الحالة المقلقة لسلام الشرق الأوسط.

ما كنت أريد في هذا المعترك العظيم أن أشغل فخامتكم ورجال حكومتكم العاملين في هذه الحرب العظمى في هذا الموضوع، وكنت أفضل - وأنا واثق من إنصاف العرب من قبل دول الحلفاء - أن يستمر سكوت العرب إلى نهاية الحرب لولا ما نراه من قيام هذه الفئة الصهيونية اليهودية بكل عمل مثير مزعج غير مقدرين الظروف الحربية، ومشاغل الحلفاء حق قدرها، عاملين للتأثير على الحلفاء بكل أنواع الضغط ليحملوهم على اتخاذ خطة ضد العرب تختلف عما أعلنه الحلفاء من مبادئ الحق والعدل، لذلك أردت بيان حق العرب في فلسطين على حقيقته لدحض الحجج الواهية التي تدعيها هذه الشرذمة من اليهودية الصهيونية دفعاً لعدوانهم، وبياناً للحقائق حتى يكون الحلفاء على علم كامل بحق العرب في بلادهم وبلاد آبائهم وأجدادهم، فلا يسمح لليهود أن ينتهزوا فرصة سكوت العرب ورغبتهم في عدم التشويش على الحلفاء في الظروف الحاضرة فيأخذوا من الحلفاء ما لا حق لهم فيه.

وكل ما نرجوه هو أن يكون الحلفاء على علم بحق العرب، ليمنع ذلك تقدم اليهود في أي أمر جديد يعتبر خطراً على العرب وعلى مستقبلهم في سائر أوطانهم، ويكون العرب مطمئنين من العدل الإنصاف في أوطانهم».

وفي تاريخ 05 أبريل 1945م ردّ الرئيس روزفلت على رسالة الملك عبدالعزيز برسالة جاء فيها:

«الصديق الطيب العظيم..

المملكة وألمانيا مواقف متطابقة ترفض لجنة «بيل» وتعارض قيام دولة يهودية في فلسطين

لقد تلقيت الرسالة التي بعثتموها جلالتكم لي بتاريخ 10 مارس 1945م، والتي أشرتم فيها إلى قضية فلسطين، واهتمام العرب المستمر بسير التطورات التي تؤثر في تلك البلاد.

إنني ممتن أن جلالتكم انتهزتم هذه الفرصة لإلفات انتباهي لآرائكم في هذه القضية، وقد أعطيت أدق الانتباه للبيانات التي أدرجتموها في كتابكم، وإني أيضاً لمليء الخاطر بالمحادثات التي لا تنسى التي جرت بيننا منذ أمد غير بعيد، والتي في أثنائها تهيأت لي الفرصة لأدرك أي أثر حي لآراء جلالتكم في هذه القضية.

تتذكرون جلالتكم أنه في مناسبات سابقة أبلغتكم موقف الحكومة الأمريكية تجاه فلسطين، وأوضحت رغبتنا بألا يتخذ قرار فيما يختص بالوضع الأساسي في تلك البلاد دون استشارة تامة مع كلا العرب واليهود، ولا شك أن جلالتكم تتذكرون أيضاً أنه خلال محادثاتنا الأخيرة أكدت لكم أني سوف لا أتخذ أي عمل بصفتي رئيساً للفرع التنفيذي لهذه الحكومة يبرهن أنه عدائي للشعب العربي.

وإنه لما يسرني أن أجدد لجلالتكم التأكيدات التي تلقيتموها جلالتكم سابقاً، بخصوص موقف حكومتي وموقفي كرئيس للسلطة التنفيذية فيما يتعلق بقضية فلسطين، وأن أعلمكم بأن سياسة هذه الحكومة في هذا الخصوص غير متغيرة.

وإني أرغب في هذا الوقت لأبعث لكم أحسن تمنياتي بدوام صحة جلالتكم ورفاء شعبكم»(10).

لقد لخص الرئيىس روزفلت انطباعاته بعد لقاءاته واتصالاته مع الملك عبدالعزيز قائلاً لمستشاريه:

«إن العرب واليهود يتجهون إلى الصدام والحرب في فلسطين، وأنه ينوي لقاء زعماء الكونجرس في واشنطن للبحث في سياسة جديدة قد تجنبنا الصدام».

لم ينجح روزفلت لأنه توفي بعد اللقاء بشهرين، ووقع ما توقعه روزفلت وكانت الحرب والصدام.

وغضب الملك عبدالعزيز لم يلغِ امتيازات شركة أرامكو في السعودية ولم يلغِ الاتفاقات العسكرية مع أمريكا، لكنه في نفس الوقت استمر في نضاله من أجل القضية الفلسطينية، وذلك عبر اتصالاته ورسائله ومبعوثيه مع بريطانيا وأمريكا، وبما في ذلك رسائل من الملك شخصياً لأمريكا وبريطانيا، يحتج فيها على قرار الجمعية العامة المتحدة (181) الداعي لتقسيم فلسطين.

الملك عبدالعزيز تحرك بالتوازي على الصعيد العربي، ففي يوم 12 مايو 1948م، استقبل في الرياض وفداً عربياً رفيع المستوى ضم كلّاً من عبدالرحمن عزام الأمين العام لجامعة الدول العربية، ومفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني، ورئيس وزراء لبنان رياض الصلح، ورئيس وزراء سورية جميل مردم بك.

الملك عبدالعزيز استمع منهم إلى تقرير مفصل حول فلسطين وما آلت إليه الأوضاع، واقترح تسليح أهالي فلسطين ومساعدتهم للدفاع عن بلادهم، لكن الوفد العربي أصر على ضرورة الحرب، فاستجاب الملك عبدالعزيز لهم، وهو يعلم تمام العلم ما يخطط لفلسطين، وعن عدم استعداد العرب للحرب، وكذلك عن الاتصالات العربية مع بريطانيا واليهود.

اشتركت السعودية في الحرب عام 1948م، رداً على إعلان إقامة إسرائيل، وأعلنت فتح أبواب التطوع لنصرة فلسطين، وكان الملك على اتصالات مستمرة مع القيادات الفلسطينية من خلال قنصلية المملكة العربية السعودية العامة في القدس التي افتتحت عام 1943م.

ت - لماذا رسالة الملك إلى روزفلت بعد اللقاء بينهما عام 1945م؟

كان الملك عبدالعزيز واضحاً ومحدداً مع الرئيس روزفلت حول فلسطين، ورفض رفضاً باتاً هجرة اليهود إلى فلسطين أو إقامة وطن لهم فيها.

والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا شعر الملك عبدالعزيز أن عليه أن يوجه رسالة خطية للرئىيس روزفلت يشرح فيها بجرأة وصراحة عن الحق الفلسطيني بشمولية وعدل، وكان الملك قد طرح نفس المواقف في لقائه مع رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرتشل عام 1945م.

التحليل الدقيق لمواقف الملك عبدالعزيز يقودنا إلى أن ما دفعه لكتابة رسالته لروزفلت إنما جاء تعبيراً حقيقياً عن ركائز موقفه تجاه القضية الفلسطينية والتي تشمل:

أ - المرتكز الفكري المستند إلى الدين الإسلامي:

مما لا شك فيه أن الملك عبدالعزيز قد أسس المملكة العربية السعودية على مرتكزات الدين الإسلامي الحنيف، مكانة المملكة العربية السعودية، استندت على الدوام إلى مبادئ وتعاليم الدين الإسلامي داخلياً وخارجياً الذي يرفض استيلاء الدول الأجنبية على أراضي المسلمين.

ب - المرتكز الاستراتيجي:

أدرك الملك عبدالعزيز ما سوف تشكله إقامة دولة إسرائيل من خطر على البلدان العربية بما فيها المملكة العربية السعودية، والتي يفصل بينها خليج العقبة، الذي يقع في مدخله مضيق تيران الذي يعتبر المدخل المباشر للبحر الأحمر بالنسبة لإسرائىل والأردن.

ت - المرتكز الإقليمي والدولي:

أدرك الملك عبدالعزيز آثار إنشاء دولة إسرائيل على دول المنطقة وأمنها واستقرارها، وما سوف تؤدي إلى حروب مستقبلية ستكون السعودية طرفاً أساسياً فيها.

ث - مرتكز مساندة الشعب الفلسطيني، واعتبار قضية فلسطين قضية عربية وإسلامية:

أسس الملك عبدالعزيز لاعتبار القضية الفلسطينية قضية العرب والمسلمين الأولى من خلال مواقفه الثابتة، فكانت مواقف السعودية غاية في الدقة والوضوح والتحديد برفض إقامة دولة إسرائيل، وبالتالي رفض وعد بلفور، والهجرة اليهودية، وتقرير لجنة (بيل)، وقرار التقسيم (181)، وإعلان دولة إسرائيل.

عجز الرئيس الأميركي أمام ذكاء وفطنة المؤسس كشفه الكولونيل إيدي في كتابه

المصادر والمراجع:

1 - لمزيد من المعلومات انظر: محمد السيد سليم، التحليل السياسي لفكر الملك عبدالعزيز، في بحوث المؤتمر العالمي عن تاريخ الملك عبدالعزيز، الرياض 1 - 5 يناير 1985م.

2 - أرادت بريطانيا أن تحصل على تأييد الملك عبدالعزيز لما تخطط له في فلسطين، وذلك سعياً منها للحصول على تأييد يضعف مواقف المعارضة العربية لهذه المخططات، إلا أن مواقف الملك عبدالعزيز كانت حاسمة وحادة في الرفض المطلق للمخططات البريطانية.

3 - لمزيد من المعلومات حول العلاقات السعودية - الألمانية، والمحادثات التي تمت في نهاية العشرينات إلى بداية الثلاثينات من القرن الماضي انظر: نظام العباسي، دور القضية الفلسطينية في تطور العلاقات السعودية - الألمانية 1929 - 1939م، مجلة جامعة النجاح للأبحاث، نابلس، فلسطين، المجلد «7».

4 - المصدر السابق، ص 295.

5 - وثائق وزارة الخارجية الألمانية، تقرير فرتس غروبا، إلى وزارة الخارجية الألمانية في 07 نوفمبر عام 1937م، التي وردت في بحث نظام العباسي، المصدر السابق ص 296.

6 - كرميت روزفلت، تقسيم فلسطين، مجلة الشرق الأوسط، المجلد (2)، العدد (1)، يناير 1948م، ص (2).

7 - لمزيد من المعلومات حول تعاظم الدول الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط انظر د. صائب عريقات، الأوبيك والنزاع العربي الإسرائيلي، منشورات البيادر، القدس 1987م، ص 149 - 153.

8 - لمزيد من المعلومات انظر: William Eddy. F.D.R meets Ibn saud. Americans friends of the middle - east. New York 1954

9 - لمزيد من المعلومات انظر المصدر السابق.

10 - لمزيد من المعلومات انظر: Thomas W. Lippman. The Day F.D.R met Saudi - Arabia`s Ibn Saud. The Link Volume 32. Issue 2 April- May 2005

اجتماع الملك عبدالعزيز مع الرئيس فرانكلين روزفلت